أحوال وأفعال الملائكة مع المؤمنين

26/04/2020| إسلام ويب

الملائكة خلق من مخلوقات الله تعالى، خلقهم الله عز وجل من نور، وهم مَجبُولون على طاعة الله، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يأمرهم به، وقد أعطاهم الله قُدرةً على التشكُّل بالصُّور الحسنة للإنسان، وهم رسُل الله تعالى وجنده في تنفيذ أمره الذي يُوحِيه إليهم، وسُفَراؤه إلى أنبيائه ورسله، قال الله تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}(الحج: 75). والإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان الستة التي جاءت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه مسلم في صحيحه حين سُئِل عن الإيمان فقال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره). ولا عِلْم لنا بعالَم وصفات وأحوال الملائكة إلا في حدود ما أخبرنا الله عز وجل عنه في قرآنه الكريم، أو من خلال أحاديث نبينا صلى الله عليه وسلم الصحيحة.. ومن الأمور المتعلقة بالملائكة: أحوالهم وأفعالهم مع المؤمنين، ومن ذلك:

حب الملائكة للمؤمنين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحبّ فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثمّ يوضع له القبول في الأرض) رواه البخاري. قال ابن هبيرة: "في هذا الحديث من الفقه: أن الله سبحانه وتعالى إذا أحب عبدًا أعلم كل مَرْضِّي عنه عنده سبحانه بحبه إياه، لئلا يتعرض واحد منهم ببغض من يحبه الله، فيبدأ جل جلاله بإعلام جبريل ليكون جبريل موافقًا فيه محبة الله عز وجل، وليعلم أهل السماء ليكونوا عابدين لله بمحبة ذلك الإنسان متقربين إليه بحبه".

دفاع الملائكة عن المؤمنين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رجلا شتم أبا بكر، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس يعجب ويتبسم (من شتم الرجل وقلة حيائه)، فلما أكثر ردّ (أبو بكر) عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رَدَدْتُ عليه بعض قوله غَضِبْتَ وَقُمْتَ!! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان معك مَلَكٌ يَرُدُّ عَنْك، فلما رددْتَ عليه وقع الشيطان (أي حضر)، فَلَمْ أَكُنْ لِأَقْعُدَ مع الشّيطان) رواه أحمد وحسنه الألباني. قال الهروي: "(وأنت جالس، فلما ردَدْتُ عليه بعض قوله) أي: من الشتم بعينه أو بما يناسبه (غضبتَ وقُمْتَ): يعني فما الحكمة في ذلك؟ (قال: كان معك مَلَك يرد عليه) أي: ويدلك على الصبر (فلما رددت عليه) أي: بذاتك ودخل فيه حظ النفس (وقع الشيطان) أي: وطلع الملك، والشيطان إنما يأمر بالفحشاء والمنكر، فخفتُ عليك أن تتعدَّى على خصمك وترجع ظالماً بعد أن كنتَ مظلوماً".

صلاة الملائكة على المؤمنين:
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}(الأحزاب:43)، قال ابن كثير: "والصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة، حكاه البخاري عن أبي العالية.. وقال غيره: الصلاة من الله: الرحمة.. وقد يقال: لا منافاة بين القولين والله أعلم. وأما الصلاة من الملائكة، فبمعنى الدعاء للناس والاستغفار". وقد دلنا نبينا صلى الله عليه وسلم على الكثير من الأعمال التي تصلي الملائكة على فاعلها، مثل: طلب العلم، وتعليم الناس الخير، وانتظار صلاة الجماعة، والصلاة في الصف الأول، والسحور قبل الصيام، وزيارة وعيادة المرضى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

استغفار ودعاء الملائكة للمؤمنين:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(غافر: 7-9). قال ابن كثير: "{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: من أهل الأرض ممن آمن بالغيب، فقيض الله سبحانه ملائكته المقربين أن يدعوا للمؤمنين بظهر الغيب، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم الصلاة والسلام، كانوا يؤمنون على دعاء المؤمن لأخيه بظهر الغيب". وقال القرطبي: "{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: يسألون لهم المغفرة من الله تعالى". وقال السعدي:"من رحمته بالمؤمنين ولطفه بهم، أن جعل من صلاته عليهم، وثنائه، وصلاة ملائكته ودعائهم، ما يخرجهم من ظلمات الذنوب والجهل، إلى نور الإيمان، والتوفيق، والعلم، والعمل، فهذه أعظم نعمة، أنعم بها على العباد الطائعين، تستدعي منهم شكرها".

شهود الملائكة مجالس العلم والذكر، وحفهم أهلها بأجنحتهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم:(إن لله ملائكة يطوفون في الطرق، يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم) رواه البخاري. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع) رواه أبو داود وصححه الألباني. وعن حنظلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم) رواه مسلم. قال القاضي عياض: "إكراماً لكم وتعظيماً وتوقيراً وتبجيلا".

تعاقب الملائكة فينا، وشهادتهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملائكة يتعاقبون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم، وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون) رواه البخاري.

نزول الملائكة عند قراءة المؤمن للقرآن:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن أسيد بن حضير بينما هو في ليلة يقرأ في مربده، إذ جالت فرسه، فقرأ، ثم جالت أخرى، فقرأ، ثم جالت أيضاً. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى، فقمت إليها، فإذا مثل الظلة (قيل: هي السحابة التي كانت فيها الملائكة) فوق رأسي، فيها أمثال السرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها. قال: فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بينا أنا البارحة من جوف الليل أقرأ في مِرْبَدِي (مكان تجفيف التمر)، إذ جالت (وثبت) فرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فقرأت، ثم جالت أيضاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأ ابن حضير، قال: فانصرفت، وكان يحيى قريباً منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظلة فيها أمثال السرج، عرجت في الجوّ حتى ما أراها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الملائكة كانت تسمع لك، ولو قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ ما تَسْتَتِرُ منهم) رواه مسلم.

الملائكة تبلغ صلاتنا وسلامنا على نبينا صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن لله ملائكة سياحين (ذاهبين) في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام) رواه ابن حبان وصححه الألباني.

شهود الملائكة لجنازة الصالحين، وإظلالها للشهيد بأجنحتها:
قال النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ رضي الله عنه: (هذا الذي تحرّك له العرش، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة) رواه النسائي وصححه الألباني. وعن جابر رضي الله عنه قال: (لَمَّا قُتِلَ أبِي جَعَلْتُ أبْكِي، وأَكْشِفُ الثَّوْب عن وجْهه، فجعل أصْحَابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَوْني، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: لا تَبْكِيهِ - أوْ: ما تَبْكِيه - ما زَالتِ الملائكة تُظِلُّه بأَجْنِحَتِها حتَّى رُفِع) رواه البخاري.

تأمين الملائكة على دعاء المؤمن لأخيه:
الملائكة يؤمنِّون على دعاء المؤمن لأخيه، وبذلك يكون الدعاء أقرب إلى الإجابة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب (في السِر وبغير حضرته) مستجابة، عند رأسه ملك، كلما دعا له بخير قال الملك الموكل به: آمين، ولك بمثل) رواه مسلم. قال النووي: "(عند رأسه ملك) موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل"، وقال الطيبي: "وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعو لنفسه يدعو لأخيه المسلم بتلك الدعوة، لأنها تستجاب ويحصل له مثلها".

الملائكة يشهدون الصلوات الخمس ويؤمنون خلف الإمام، ويصلون على من يجلس في مصلاه لانتظار الصلاة، ويحضرون صلاة الجمعة:
الملائكة تحضر الصلوات الخمس والجمعة، ومن وافق تأمينه تأمين الملائكة في الصلاة غفر الله له، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمّن الإمام فأَمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (الملائكة تصلي على أحدكم مادام في مصلاه الذي صلي فيه، ما لم يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم الجمعة وقفت الملائكة على باب المسجد يكتبون الأول فالأول، فإذا خرج الإمام طووا صحفهم، وجلسوا يستمعون الذكر) رواه البخاري.

تحية الملائكة للمؤمنين الطيبين عند قبض أرواحهم:
قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ}(النحل:32)، قال القرطبي: "{يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ} يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون السلام إنذارا لهم بالوفاة. الثاني: أن يكون تبشيرا لهم بالجنة، لأن السلام أمان". وقال الطبري: "وقوله {يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ} يعني جلّ ثناؤه أن الملائكة تقبض أرواح هؤلاء المتقين، وهي تقول لهم: سلام عليكم، صيروا إلى الجنة بشارة من الله تبشرهم بها الملائكة".

الملائكة تقاتل مع المؤمنين وتثبتهم:
أمد الله المؤمنين بأعداد كثيرة من الملائكة في معركة بدر: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ}(الأنفال:9). وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (بينما رجل من المسلمين يومئذٍ يشتدّ في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخرّ مستلقياً، فنظر إليه، فإذا هو قد خُطم أنفه، وشقّ وجهه، كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري، فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة) رواه مسلم. فإن قيل: ما الحكمة في نزول الملائكة مع أن جبريل وحده قادر على إهلاك المشركين جميعا بأمر الله عز وجل؟!. أجاب السبكي بقوله: "وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكون الملائكة مددا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصور الأسباب وسننها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع". ونزول الملائكة لنصر المؤمنين لا يتعارض مع إعداد القوة لمواجهة الأعداء، فالإسلام يدعو المسلمين إلى أن يُعِّدوا الأسباب المادية والإيمانية لتحقيق النصر، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}(الأنفال:60).

الملائكة يحبون المؤمنين، ويدعون الله لهم، ويحفظونهم في يقظتهم ومنامهم بإذن الله تعالى، وما ذكرناه ما هو إلا بعض أحوالهم مع المؤمنين وحبهم لهم. ومن المعلوم أن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان، وليس علينا إلا الإيمان والتسليم بما أتانا به الخبر من القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية الصحيحة فيما يتعلق بالملائكة وبالأمور الغيبية.

www.islamweb.net