الحج.. وترسيخ مفهوم العبودية

07/07/2022| إسلام ويب

الحمد لله ذي المنة والإحسان والفضل والإنعام، أكمل لنا الدين، وأتم علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا، واختار لنا أفضل الطاعات، وأعظم العبادات، وأكمل القربات، وفرض لنا من الفرائض ما يزكي به النفوس، ويطهر القلوب، ويحقق المقصود للفرد والأمة جميعا.

ومن هذه الفرائض فريضة الحج الذي هو من أعظم فرائض الإسلام، وركن من أهم أركانه.
ومن تأمل الحج وما فيه علم أنها فريضة عظمت في مناسكها، وسمت في مقاصدها، وجلت في منافعها، فقد انتظم الحج من الحكم أعلاها، ومن المقاصد أسماها، ومن المنافع أشرفها وازكاها.

فمن مقاصد هذا الركن العظيم:
أولا: رفع منار التوحيد.. المتمثل في كل عمل من أعماله، وذكرى من ذكريات أفعاله، والتي تظهر واضحة في شعار الحج الأول (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).
 

ثانيا: تحقيق وحدة الأمة المسلمة، والدعوة إلى الوحدة والائتلاف، ونبذ الفرقة والاختلاف (وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ الله جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا واذكروا نِعمَتَ الله عَلَيكُم إذ كنتم أَعدَاء فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُم فَأَصبَحتُم بنعمتِهِ إخوانا}.(آل عمران:103 ).

ثالثا: حقن الدماء، وصيانة الأعراض، وحفظ حقوق العباد (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)(متفق عليه).

رابعا: المساواة بين العباد، ونبذ العنصرية في كل صورها (لا فَضلَ لِعرَبيِّ على عَجَميّ، ولا لعَجميّ على عربيّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلا بالتقوى، الناسُ مِن آدمَ، وآدمُ من تُراب).

خامسا: الوصية بالنساء وحماية حقوق المرأة، حقوقا فعلية، وصيانة حقيقية، وحماية ربانية، لا دعوة المتاجرين ولا المغرضين، ولا المتآمرين ولا المفلسين.

ترسيخ مفهوم العبودية
ومن مقاصد الحج الكبرى ـ والتي ينبغي أن ننتبه إليها وينتبه إليها كل مسلم، ترسيخ مفهوم العبودية وبيان معنى الإسلام الحقيقي لمن أراد أن يتعرف عليه.

. فحقيقة الإسلام هي التسليم لله والاستسلام، {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ}(لقمان:22)، {وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}(الزمر:54)، {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}(البقرة:112).
وقال عن سيد الحنفاء وإمام الموحدين سيدنا إبراهيم عليه السلام: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ ۚ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}(البقرة: 130ـ 131).

. حقيقة الإسلام هي الطاعة المطلقة والإذعان الكامل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ . وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}(الأنفال:20ـ21)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال:23) ..

. حقيقة الإسلام هي قبول أمر الله ورسوله والخضوع لشرعه ودينه: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(النور:51)، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}(الأحزاب:36).

. حقيقة الإسلام هي الرضا التام بالله، وعن الله، وبكل ما جاء عن الله، والرضا برسول الله، وعن رسول الله، وعن كل ما جاء عن رسول الله، رضا لا يزاحمه اعتراض ولا شيء يحيك في الصدر {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}(النساء:65).

فشعيرة الحج تأتي لتدل الناس على مفهوم العبودية الحقة، وتبين لهم معنى الإسلام الصحيح، وأن طريق الإسلام وأساسه إنما هو التسليم لأمر الله تعالى ـ حتى وإن كان عقل الإنسان أحيانا لا يتعرف على الحكمة الموجودة فيه.

إنه تعويد النفس على معنى التسليم لله والتسليم لرسوله، وعدم الاعتراض والمناقشة ومحاكمة دين الله وشرعه وأمره بعقل قاصر ضعيف.

إن الحج بكل ما فيه ينادي على المسلمين ويعلمهم أن الإسلام ليس مجرد ادعاء، ولا ينال بمجرد الأسماء، وإنما هو إيمان خالص، ويقين صادق، ورضا كامل عن الله وعن رسوله وعن شرعه ودينه. علامته الخضوع والانقياد والاستسلام. كما قال الإمام الطحاوي رحمه الله: "ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام". 

www.islamweb.net