مَنْ أحبَّ لِقاءَ الله أحبَّ اللهُ لِقاءَه

03/04/2023| إسلام ويب

عَنْ عُبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَهُ، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَه. قالت عائِشة أوْ بَعْضُ أزْواجِه: إنَّا لَنَكْرَهُ المَوْت، قال: ليس ذاك، ولَكِنَّ المُؤْمِنَ إذا حَضَرَه المَوْتُ بُشِّرَ برِضْوان اللَّه وكَرامَتِه، فليسَ شَيءٌ أحَبَّ إلَيْه ممَّا أمامَه، فأحَبَّ لِقاءَ اللَّه، وأَحَبَّ اللَّهُ لِقاءَه، وإنَّ الكافِر إذا حُضِرَ بُشِّرَ بعَذاب اللَّه وعُقُوبَتِه، فليسَ شَيءٌ أكْرَه إليْه ممَّا أمامَه، كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ، وكَرِهَ اللَّهُ لِقاءَه) رواه البخاري. وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَه، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَه) رواه البخاري.
قال القاري: "(إذا حُضِرَ المُؤمِنُ) بصيغة المَجهول، أي: حَضَرُه المَوتُ". وقال النووي في "شرح صحيح مسلم": "وَمَعْنَى الْحديث: أَنَّ الْكَرَاهَة الْمُعْتَبَرَة هي الَّتِي تَكُون عِنْد النَّزْع في حَالَةٍ لا تُقْبَل تَوْبَته ولا غيْرها، فَحِينَئِذٍ يُبَشَّر كُلّ إِنْسَان بما هو صَائِر إليْه، وما أُعِدَّ له، وَيُكْشَف له عَنْ ذلك". وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرح رياض الصالحين": "وذلك أن المؤمن يؤمن بما أعدّ الله للمؤمنين في الجنة من الثواب الجزيل والعطاء العميم الواسع فيحب ذلك وترْخص عليه الدنيا ولا يهتم بها، لأنه سوف ينتقل إلى خيرٍ منها، فحينئذ يحب لقاء الله، ولاسيما عند الموت إذا بُشر بالرضوان والرحمة فإنه يحب لقاء الله عز وجل ويتشوق إليه فيحب الله لقاءه. أما الكافر والعياذ بالله فإنه إذا بُشر بعذاب الله وسخطه كره لقاء الله فكره الله لقاءه". وقال المظهريُّ في "المفاتيح في شرح المصابيح": "قوله: (لَيسَ ذلك) يعني: لَيسَت كراهة الموت كما تَظُنِّين يا عائشة، بَلِ المُؤمِنون يَكرَهون المَوت في حالة الصِّحَّة وفي المَرَضِ قَبلَ حُضورِ مَلَكِ المَوت بهم، وكَراهيَتِهم المَوت لِخَوف شِدَّة المَوت، ولَيسَ لِكَراهة انتِقالِهم مِنَ الدُّنيا إلى الآخِرة، بَل إذا رأى المُؤمِنُ مَلَكَ المَوتِ بُشِّرَ المُؤمِنُ في ذلك الوقتِ بما لَه عِندَ اللَّه مِنَ المَنزِلة والكَرامة، فيَزول حينَئِذٍ خَوفُه، ويَشتَدُّ حِرصُه بسُرعة قَبْضِ رُوحه ليَصِلَ إلى ما لَه عِندَ اللَّه من الكَرامة، وأمَّا الكافِرُ فحالُه بعَكسِ هَذا".

وفي الحَديث: (مَن أحَبَّ لِقاءَ اللَّهِ أحَبَّ اللَّهُ لِقاءَه، ومَن كَرِهَ لِقاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقاءَه) إثبات صِفة "الكُرْه والحُبّ" للهِ عزَّ وجَلَّ، على الوجه اللائق به سبحانه، كما هو الشأن في سائر صفاته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11).. ومن المعلوم أن مِن قواعد وأصول العقيدة عند أهل السُنة: أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، يجب الوقوف فيها على ما جاء به القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة، مِن غير تحريف ولا تعطيل، ومِنْ غير تكييف ولا تمثيل، فالله عز وجل لا مثيل له في ربوبيته، ولا مثيل له في إلهيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. قال عبد الله بن بَطَّة العُكْبَريّ الحنبلي (المتوفى:387هـ) في "الإبانة الكبرى": "مِن علامات المؤمنين أن يصفوا الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، مما نقلته العلماء، ورواه الثقات من أهل النَقل، الذين هم الحُجة فيما رووه من الحلال والحرام والسنن والآثار، ولا يقال فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف؟ ولا لِم؟ بل يتبعون ولا يبتدعون، ويَسَلِّمون ولا يعارضون، ويتيقنون ولا يشكون". وقال الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن مَنْدَه (المتوفى:395هـ) في كتابه "التوحيد": "الأخبار في صفات الله عز وجل جاءت متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم موافقة لكتاب الله عز وجل نقلها الخلف عن السلف قرناً بعد قرن من لدن الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا على سبيل إثبات الصفات لله عز وجل، والمعرفة والإيمان به، والتسليم لما أخبر الله عز وجل به في تنزيله، وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابه، مع اجتناب التأويل والجحود، وترك التمثيل والتكييف". وقال أبو نصرٍ السِّجزي (المتوفى:(444 هـ) في "رسالة السجزي إلى أهل زبيد" بعد أن ذَكَر جملةً من أحاديثِ الصِّفات: "ومن ذلك الغَضَب، والرِّضا، وغير ذلك.. لا يُفَسَّر منها إلَّا ما فَسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أو الصَّحابيّ، بل نُمِرُّ هذه الأحاديثَ على ما جاءت، بعد قَبولِها والإيمانِ بها والاعتِقاد بما فيها، بلا كيفيَّة". وقال ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية": "ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله، مِن غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. يثبتون له الأسماء والصفات". وقال الشيخ ابنُ عُثَيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "السَّلَف الصَّالح مِن صَدْرِ هذه الأُمَّة، وهم الصَّحابةُ الذين هم خيرُ القُرون، والتَّابعون لهم بإحسانٍ، وأئمَّة الهُدى مِن بَعْدِهم: كانوا مجمِعين على إثباتِ ما أثبَتَه اللهُ لنَفْسِه، أو أثبَتَه له رَسولُه صلى الله عليه وسلم من الأسماءِ والصِّفات، وإجراءِ النُّصوص على ظاهِرِها اللَّائِق بالله تعالى، من غير تحريفٍ، ولا تعطيلٍ، ولا تكييفٍ، ولا تمثيلٍ، وهم خيرُ القُرونِ بنَصِّ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، وإجماعُهم حُجَّة مُلزِمة لأنَّه مُقتَضى الكِتاب والسُّنَّة"..

وصِفة "الحُبِّ والكُرْه" ثابتتان للهِ عزَّ وجَلَّ على الوجه اللائق به سبحانه، كما هو الشأن في سائر صفاته، قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11)..
وقد جاء في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة أنّ الله تعالى يُحب أفعالاً معينة، ويُحبّ بعض خَلقه الذين اتصفوا بصفات خاصة، قال الله تعالى: {ِإنَّ الله يحبُّ التَّوَّابين ويحبُّ المتطهّرين}(البقرة:222)، وقال تعالى: {إنّ الله يحبُّ المتَّقين}(التوبة:4)، {والله يحبُّ الصَّابرين}(آل عمران:146)، {إنَّ الله يحبُّ المقسطين}(المائدة:42)، وقال عز وجل: {إنَّ الله يحبُّ الَّذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنَّهم بنيانٌ مَّرصوصٌ}(الصف:4).. وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله العبد نادى جبريل: إن الله يحب فلانا، فأحْبِبْه) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ يُحِبُّ العبدَ التَّقِيَّ، الغَنيَّ، الخَفيَّ) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أحب لقاء الله أحبَّ الله لقاءه).. ومِنْ ثم فأهلُ السُّنَّة يُثبتون صفةَ الحُبّ لله عزَّ وجلَّ، على ما يَليق به سبحانه. قال عبد الغنيِّ المقدِسيّ (المتوفى:600هـ) في "الاقتصاد في الاعتقاد": "نُثبتُ له الصِّفة مِن غيرِ تحديدٍ ولا تشبيه.. وكُلُّ ما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في كتابه، وصَحَّ عن رَسولِه بنَقلِ العَدْلِ عن العَدْلِ، مثل المحبة والمشيئة، والإرادة، والضحك، والفرح، والعجب، والبغض، والسخط، والكُره، والرضا، وسائر ما صح عن الله ورسوله وإن نبت عنها أسماع بعض الجاهلين واستوحشت منها نفوسُ المُعَطِّلين". وقال ابنُ تَيميَّة في "مجموع الفتاوى": "إنَّ الكِتابَ والسُّنَّة وإجماع المُسلِمين أثبتَتْ محبَّة الله لعباده المؤمنين، ومحبَّتَهم له، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}(البقرة:165)،وقوله:{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(المائدة:54).. وقد أجْمَع سلَفُ الأمَّة وأئمَّتُها على إثبات محبَّة الله تعالى لعبادِه المُؤمنين، ومحبَّتِهم له". وقال الشيخ ابن عثيمين في "فتح ذي الجلال والإكرام": "..ونصوص إثبات المحبَّة لله عَزَّ وجَلَّ في القُرآن والسُّنَّة كثيرة، وقد أجمع السَّلَف وأئمَّة الخَلَف ومَن سَلَك سَبيلَهم على أنَّ الله تعالى موصوفٌ بالمحبَّة على الوَجْه اللَّائِقِ به، وأنَّه يُحِبُّ ويُحَبّ، وهذا ظاهِرٌ في القرآن والسُّنَّة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}(المائدة:54)، ففيه إثباتُ المحبَّة مِن الجانِبَينِ أنَّ اللهَ يُحِبُّ ويُحَبُّ سُبحانه وتعالى، وهي محبَّةٌ حقيقيَّةٌ كسائِرِ صِفاته، ولا يجوز لنا أن نُؤَوِّلَها تأويلَ تحريفٍ بأن نُخرِجَها عن معناها الذي أراد اللهُ بها، فإنَّ هذا مِنَ القَول على الله بلا عِلمٍ، ومِنَ الجناية على كلامِه، ومن تحريفِ الكَلِمِ عن مواضِعِه".
وكذلك جاء في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أن الله عز وجل يكْره أفعالاً معينة، ويَكره بعض خَلْقه الذين اتصفوا ببعض صفات مُعينة، قال الله تعالى: {والله لا يحبُّ الفساد}(البقرة:205)، وقال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة:64)، وقال تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(آل عمران:140)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}(الأنفال:58)، وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(لقمان:18). {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}(التوبة:46).. وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كَرِه لكم ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم: (ومَن كَرِه لِقاء الله كَره الله لقاءه). قال الدَّارمي (المتوفى:280هـ): "عارَضَ المعارِضُ أيضًا أشياءَ مِن صِفات الله تعالى التي هي مذكورةٌ في كتاب الله، ونازع في الآيات التي ذُكِرَت فيها ليغالِطَ النَّاسَ في تفسيرِها، فذكَرَ منها: الحُبَّ والبُغضَ، والغَضَبَ والرِّضا، والفَرَحَ والكُره، والعَجَبَ والسَّخَط، والإرادة والمشيئة، ليُدخِلَ عليها من الأغلوطاتِ ما أدخل على غيرِها ممَّا حكَيناه عنه.." إلى أن قال: "وقال تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}(المائدة: 119)، {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ}(التوبة:46)، فهذا النَّاطِق من كتاب الله يُستَغْنَى فيه بظاهِرِ التنزيلِ عن التفسير، وتعرِفُه العامَّةُ والخاصَّة". وقال ابن أبي زيدٍ القيروانيّ (المتوفى:386هـ) في "الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ": "ممَّا أجمعت عليه الأئِمَّةُ مِن أُمورِ الدِّيانة، ومِن السُّنَن التي خلافُها بِدعة وضلالة.. أنَّه يرضى عن الطَّائعين ويحِبُّ التَّوَّابين، ويَسخَط على من كَفَر به ويغضَب فلا يقوم شيءٌ لغَضَبِه.. وكُلُّ ما قَدَّمْنا ذِكْرَه فهو قوْل أهلِ السُّنَّة وأئمَّة النَّاسِ في الفِقه والحديث على ما بَيَّنَّاه، وكُلُّه قولُ مالِك، فمنه منصوصٌ مِن قوله، ومنه معلومٌ مِن مَذهَبِه". وقال ابن القيِّمِ في "الصواعق المُرْسَلة": "إنَّ ما وصَفَ اللهُ سُبحانه به نَفْسَه مِن المحبَّة والرِّضا والفَرَح والغضَب والبُغْضِ والسَّخَطِ: مِن أعظَمِ صِفات الكَمال". وقال ابنُ أَبي العِزِّ (المتوفى:792هـ) في "شرح الطحاوية": "مذهبُ السَّلَفِ وسائرِ الأئمَّة إثبات صِفة الغَضب والرِّضا، والعَداوة والوَلاية، والحُبِّ والبُغض، ونحو ذلك من الصِّفات التي ورَدَ بها الكِتابُ والسُّنَّة".

فائدة:
صفات الله عز وجل لا يُشْتَق منها أسماء، فمن الثابت أن الله عز وجل مِن صفاته أنه يُحِبّ، ويكره، ويغضب، لكن لا يُشْتَقُّ لله تعالى منها أسماء، فلا يُقال عنه - سبحانه وتعالى -: "الْمُحِبّ، والكاره" والغاضب"، فكل ما صحَّ اسْماً لله عز وجل صحَّ أن يدل على الصفة وصحَّ الإخبار به. وكل ما صحَّ صفة صحَّ خَبَرا، ولكن ليس شرطا أن يَصِحَّ اسما، فقد يصح وقد لا يصح، ولذلك قال العلماء: "باب الصفات أوسع من باب الأسماء". قال ابن القيم في "مدارج السالكين": "فلا نشتَقُّ مِن كونِه يُحبُّ ويكرَه ويغضَب، اسمَ: المُحبّ، والكارِه، والغاضِب، أمَّا صِفاتُه فتُشتَقُّ مِن أفعالِه، فنُثبِتُ له صِفة المحبَّةِ، والكُرْه، والغضَب، ونحوِها مِن تلك الأفعال، لذلك قيل: باب الأفعال أوسَع مِن باب الأسماء". وقال الشيخ ابن عثيمين في "القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى": "باب الصفات أوسع من باب الأسماء، وذلك: لأن كل اسم متضمن لصفة، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى".

أهلُ السُّنَّة يُثبتونَ صفة "الحُبِّ والكُرْه" لله عزَّ وجلَّ على ما يَليق به سبحانه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). وكما أن مِن أصول العقيدة عند أهل السُنة: أن أسماء الله تعالى وصفاته توقيفية مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، لا مجال للعقل والاجتهاد فيها، فإن من أصولهم كذلك في معتقدهم: أن الكلام في الصفات فرْع عن الكلام في الذات، فكما أنَّا لا نُدْرِك كَيْفِية ذات الله سبحانه، فكذلك لا نُدرك كيفية صفاته، فذات الله عز وجل لا تشبه ذواتنا ولا ذوات أي من مخلوقاته، وكذلك صفاته لا تشبه صفات خلقه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(الشورى:11). قال الإمام الأصبهاني (المتوفى:430هـ) في "الحُجَّة في بيان المَحجة وشرح عقيدة أهل السنة": "الكلام في الصفات فرْع على الكلام في الذات، وإثبات الذات إثبات وجود، لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات وإنما أثبتناها لأن التوقيف ورد بها، وعلى هذا مضى السلف". وقال: "وليس في إثبات الصفات ما يفضي إلى التشبيه، كما أنه ليس في إثبات الذات ما يفضي إلى التشبيه، وفي قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} دليل على أنه ليس كذاته ذات، ولا كصفاته صفات". وقال ابن تيمية: "القول في الصفات كالقول في الذات، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقة لا تماثل الذوات، فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل سائر الصفات". وقال البغوي (المتوفى:516هـ) في "شرح السُنة" ـ بعد أن ساق أحاديث الأصابع لله عز وجل، ثم ذكر صفات: النفس، والوجه، واليدين، والعين، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح، والحُب والكُرْه ـ: "فهذه ونظائرها صفات لله تعالى، ورد بها السَمْع (الآيات القرآنية والأحاديث النبوية)، يجب الإيمان بها، وإمرارها على ظاهرها، معرضاً عن التأويل، مجتنباً عن التشبيه، معتقداً أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيء من صفاته صفات الخَلْق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخَلْق، قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}(الشورى:11). وعلى هذا مضى سلف الأمة، وعلماء السنة، تلقوها جميعاً بالقبول والتسليم، وتجنبوا فيها عن التمثيل والتأويل، ووكلوا العلم فيها إلى الله عز وجل". 

www.islamweb.net