القمار.. رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه

15/01/2024| إسلام ويب

من عادات الجاهلية وممارساتها الذميمة التي كانت منتشرة قبل الإسلام لعب الميسر، وكان لهذه العادة آثار سيئة ومضار كثيرة، فجاء الإسلام بإبطالها وتحريمها كما جاء بتحريم مثلها من المظالم والممارسات الاجتماعية الضارة.
يقول الله تبارك وتعالى لعباده المسلمين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[المائدة:90 ـ91].
فنهى تبارك وتعالى عن شرب الخمر ولعب الميسر وما جاورهما في الآية من الخبائث، وأخبر أنها رجس من عمل الشيطان، وبين بعض مضارها ومساوئها، ثم قطع بتحريمها فقال {فاجتنبوه}، وقال {فهل أنتم منتهون}. أي انتهوا.

الميسر والقمار
والميسر المنهي عنه في الآية هو القمار: ذكر ذلك أهل التفسير ونقلوه عن الصحابة ومن بعدهم:
فعند الطبري وابن كثير وغيرهما عن ابن عمر قال: الميسر هو القمار.. وعن ابن عباس قال: "الميسر هو القمار، كانوا يتقامرون في الجاهلية إلى مجيء الإسلام، فنهاهم الله عن هذه الأخلاق القبيحة". 

والقمار: مصدر قامر يقامر قمارا ومقامرة. "وهو مأخوذ من الخداع" كما في لسان العرب. ج5 ص 114.. وقيل: هو كل ما يتخاطر الناس عليه.

والقمار المحرم صورته الغالبة أن يتراهن طرفان "فردان أو جماعتان أو فريقان"، فيضع كل منهما مبلغا أو جعلا ويتنافسان على شيء يأخذه الفائز، ويخسر الآخر كل شيء.
وهذا موافق لما عرَّفه به ابن حجر في فتح الباري فقال: "أن يخرج كل من المتقامرَين سبقاً فمن غلب أخذ السبقين".
وهذه لا شك أشهر وأظهر صوره، ولكن قد أحدث الناس في عصرنا أنواعاً من القمار كثيرة جدا ومتعددة، وقد زادت صوره في زماننا زيادة مفرطة نتيجة لسعي كثير من الشركات والمؤسسات والجهات إلى الكسب السريع والكبير ـ ولو كان غير مشروع ـ وقد ابتلي بها كثيرٌ من الناس، ووقعوا في الحرام من حيث لا يعلمون ولا يشعرون، حتى صار مما عمت به البلوى، فقد صارت الشركات والمؤسسات تعلن عنه في كل وسائل الإعلام، ويتسابق الناس إليه رغبة في الفوز والتكسب السريع، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

من صور القمار وأشكاله
صور القمار كثيرة، ونحن نذكر منها هنا:
. المراهنة في لعب الورق، أو المراهنات في لعب النرد، أو في أي شيء يدفع كل من المتراهنين مبلغا، أو يشارك به، ليأخذه من يفوز منهما.
. ومنها مسابقات التلفاز التي تقوم على مبدأ المشاركة التليفونية على شيء ما ويفوز أحدهم بالسحب.
. أو الإجابة على أسئلة في رسائل نصية مقابل مبلغ معين قليل لا يعبأ به ليمكنه من الدخول في السحب على مبلغ كبير يفوز به أحد المشاركين.. وهذا كثير جدا هذه الأيام.
. ومنها ألعاب الكمبيوتر التي فيها كروت تباع ويشتريها اللاعبون، ويتنافسون فيها كما في البوكيمون وأشباهها.
. ومنها اليانصيب: وهي شراء بطاقات بمبالغ معينة قد تكون زهيدة، ثم يتم السحب على بطاقة أو عدة بطاقات للفوز ويخسر الباقون.
وصور القمار والميسر كثيرة جدا، لا يكاد يأتي عليها الحصر والعد، وقد ذكرنا ضابطها.

مجنون في ثوب عاقل
والمقامر أو لاعب الميسر مجنون في ثوب عاقل، فهو يطلب من الدينار الواحد مئة دينار من غير كد ولا تعب ولا نصب، وإنما بضربة حظ أو خبط عشواء، فهو كالمتاجر بالأحلام في سوق الأوهام، قد صار أسيرا للميسر وتزيين الشيطان، فهو إن خاطر فخسر يحاول مرة أخرى لعله يعوض ما ضاع، وإن كسب حمَلته شهوةُ الفوز والكسب على الاستمرار والزيادة، فيخاطر بمبالغ أكبر، إما لتعويض خسارة وإما لزيادة كسب.. فإذا هو يغامر بالعشرات والمئات والألوف صفقة واحدة أو جزافًا بلا عدٍّ، طامعا أن يعود إليه بأضعافه، وما هي إلا لعبة واحدة حتى تذهب به كله، فيقعد صاحبه مذمومًا مخذولاً، محسورًا محزونًا، فلا ماله حفظ، ولا عمره صان، ولا ربَّه خاف واتَّقى، وربما عجّل بنفسه إلى الانتحار وعرضها لعذاب النار، وبئس القرار، وهذه واحدة فقط من عواقب القمار.
جلسنا حول مائدة القمــار .. .. وأكثرُنا يغني كالقمـاري
ونرمي فوق أوراق نقوداً .. .. بغير تدبر رمي الجمــار
سعيت لأجتني رطباً جنياً ..  فلم أقطف سوى مر الثمار

أضرار ومفاسد
والقمار داء وبيل ينحدر بالأخلاق إلى أسفل دركات الانحطاط، وهو آفة الآفات ومصدر النكبات، وهو معول هدم في كيان المجتمع الإنساني، وقد جمع بين مفاسد الدين والدنيا معا:
فمن مفاسده الدينية
. أنه {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} مما يدل على تحريمه وأنه من الكبائر، والرجس وصف لكل الأعيان الخبيثة خبثا معنويا أو ماديا.

. أنه من أكل أموال الناس بالباطل وقد حرم الله ذلك فقال: قوله تعالى {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} (سورة النساء)وقال صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

. أنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ}(سورة المائدة).. فلاعبوا القمار يهدرون أوقاتا غالية في ممارسة اللعب، وبمتابعة أخبار الفائزين والخاسرين، ويضيعون الصلوات والجمع والجماعات، وهم أبعد الناس عن مجالس ذكر الله و حلق العلم، وأغفلهم عن المواعظ وعن تذكر الموت وعذاب القبر وأهوال الآخرة.

وأما المفاسد الدنيوية فمنها:
أن الميسر يورث العداوة والبغضاء بين اللاعبين المتقامرين قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ}(سورة المائدة)
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ليعادي بعضكم بعضا ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام).

فالميسر سبب العداوة بين أصحابه، وإن أظهروا بألسنتهم أنهم راضون؛ فإنهم دائماً بين غالب ومغلوب وغابن ومغبون، والخسارة تدفع المغلوب أحيانا إلى العراك أو حتى قتل الكاسب ليسترد ماله الضائع. فكم يتم من أطفال، وكم رمل من نساء، وكم دمر من أسر، وكم ساق عوائل إلى أسواق الرذائل، وكم سبب فواجع تهتز لهولها الجبال الراسيات.

. التعويد على العطالة والبطالة، وعلى الكسل وعدم اكتساب الرزق من الأسباب الطبيعية، ويؤدي إلى إهمال المقامرين للزراعة والصناعة والتجارة، مما يؤدي إلى ركود الحياة وقلة الإنتاج وتردي المستوى المعيشي.

. والقمار يجعل الإنسان يعتمد على الحظ والصدفة والأماني الفارغة لا على العمل والجد واحترام الأسباب التي وضعها الله وأمر باتخاذها.

www.islamweb.net