السؤال
متى يكون الرياء شركا أكبر؟ ومتى يكون الرياء شركا أصغر؟
إذا قام شخص وأدى الصلاة ليمدحه الناس، يعني لم يقصد من الصلاة إلا مدح الناس.
هل هذا شرك أكبر، أو أصغر؟ يعني كان الباعث إرادة غير وجه الله، وغفل عن نية عبادة الله.
متى يكون الرياء شركا أكبر؟ ومتى يكون الرياء شركا أصغر؟
إذا قام شخص وأدى الصلاة ليمدحه الناس، يعني لم يقصد من الصلاة إلا مدح الناس.
هل هذا شرك أكبر، أو أصغر؟ يعني كان الباعث إرادة غير وجه الله، وغفل عن نية عبادة الله.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الرياء الذي يكون شركا أكبر هو الرياء في أصل الإيمان، كرياء المنافقين، قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا {النساء:142}.
وأما الرياء الصادر من المسلم في الأعمال، فالأصل فيه أنه شرك أصغر غير مخرج من الملة، كما جاء في الحديث عن محمود بن لبيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: " الرياء " إن الله يقول: " يوم تجازى العباد بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء" أخرجه أحمد، وصححه الألباني.
وجاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: قد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال: اتقوا الرياء، فإنه الشرك الأصغر -.
والرياء ينقسم قسمين:
فإن كان الرياء في عقد الإيمان، فهو كفر ونفاق، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار، فلا يصح أن يخاطب بهذا الحديث.
وإن كان الرياء لمن سلم له عقد الإيمان من الشرك، ولحقه شيء من الرياء في بعض أعماله، فليس ذلك بمخرج من الإيمان إلا أنه مذموم فاعله، لأنه أشرك في بعض أعماله حمد المخلوقين مع حمد ربه، فحرم ثواب عمله ذلك. يدل على هذا حديث أبي سعيد الخدري، قال: خرج علينا رسول الله ونحن نتحدث عن الدجال، فقال: إن أخوف عندي من ذلك الشرك الخفي، أن يعمل الرجل لمكان الرجل، فإذا دعا الله بالأعمال يوم القيامة، قال: هذا لي، فما كان لي قبلته، وما لم يكن لي تركته -، رواه الطبري.
فلا محالة أن هذا الضرب من الرياء، لا يوجب الكفر، وهذا المعنى في الحديث. قال صلى الله عليه وسلم: الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل -، ثم قال: يا أبا بكر، ألا أدلك على ما يذهب صغير ذلك وكبيره، قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم -. وفي بعض الطرق يقول ذلك ثلاث مرات.
فبان بهذا الحديث أن من كان هذا القدر من الرياء فيه خفيا كخفاء دبيب النمل على الصفا، أن عقد الإيمان ثابت له، ولا يخرج بذلك الخاطر الفاسد من الرياء، الذي زين له الشيطان فيه محمدة المخلوقين إلى الشرك، ولذلك علم النبي صلى الله عليه وسلم، أمته مداواة ذلك الخاطر بالاستعاذة، مما يذهب صغير ذلك وكبيره، وليست هذه حالة المنافقين، ولا صفات الكافرين. اهـ.
وأما الصلاة من أجل الناس فقط دون أي التفات إلى إرادة وجه الله: فهذا قد لا يتصور أصلا صدوره من مؤمن.
قال ابن رجب: واعلم أن العمل لغير الله أقسام: فتارة يكون رياء محضا، بحيث لا يراد به سوى مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي، كحال المنافقين في صلاتهم، كما قال الله عز وجل: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا} [النساء: 142] (النساء: 142) . وقال تعالى: {فويل للمصلين - الذين هم عن صلاتهم ساهون - الذين هم يراءون} [الماعون: 4 - 6] (الماعون: 4 - 6) . وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرياء في قوله: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} [الأنفال: 47] (الأنفال: 47) . وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة أو الحج، وغيرهما من الأعمال الظاهرة، أو التي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة .اهـ. من جامع العلوم والحكم.
وفي كلام بعض العلماء المعاصرين التنبيه على أن العبادة التي يقصد بها الرياء فقط، ولا يقصد بها وجه الله أصلا، أن هذا من الشرك الأكبر.
قال ابن عثيمين: إن الرياء قد يكون شركاً أكبر، وقد يكون شركاً أصغر، على حسب ما قام في قلب الفاعل، فمن فعل العبادة لمجرد الرياء فقط، فهذا مشرك شركاً أكبر؛ لأنه لم ينو لله تعالى إطلاقاً، ولا يريد التقرب إليه، إنما يريد التقرب إلى الناس فقط، ومن كان يريد الله عز وجل، لكن يحب أن يراه الناس حتى يمدحوه، فهذا رياء ولا يصل إلى الشرك الأكبر .اهـ.
وقال أيضا: العبادات منها: الصلاة والنذر والذبح وما أشبهها، إذا فعلت هذا تقربا وتزلفا للآدمي فهذا شرك أكبر, وإذا فعلته لله، لكن ليراك الآدمي فيمدحك، فهذا رياء وهو شرك أصغر .اهـ. من لقاء الباب المفتوح.
وقال الدكتور صالح الفوزان -في جواب صوتي-: الرياء يكون شركا أكبر إذا كان من نوع رياء المنافقين، بأن يكون العمل لم يقصد به وجه الله أصلا، وإنما مقصود به الرياء فقط، فهذا شرك أكبر، شرك المنافقين.
وأما إذا كان العمل مقصودا به وجه الله سبحانه، صادرا من مؤمن موحد، ولكن دخل عليه الرياء، هذا شرك أصغر. اهـ.
فالخلاصة: أن الرياء يكون شركا أكبر إذا كان في أصل عقد الإيمان، وأما الرياء الصادر من مسلم في الأعمال فهو شرك أصغر لا يخرج من الملة.
وأما الصلاة بخصوصها: فإن الرياء الخالص بالصلاة من أجل المخلوقين دون أي التفات إلى وجه الله سبحانه، لا يكاد يصدر من مسلم أصلا، ولو فرض أن مسلما صلى من أجل الناس فقط دون أي إرادة لوجه الله، فهذا شرك أكبر . فيحمل ما في صدر الفتوى عن شرح ابن بطال من إطلاق كون الرياء شركا أصغر هو على ما إذا أراد وجه الله، وجمع إلى ذلك مراءة المخلوق .
وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 10992.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني