باب ( قال الاختلاف في المؤلفة ) رحمه الله قال بعض الناس : لا مؤلفة فيجعل سهمهم وسهم سبيل الله في الكراع والسلاح في ثغور المسلمين وقال بعضهم ابن السبيل من مر يقاسم في البلد الذي به الصدقات وقال أيضا حيث كانت الحاجة أكثر فهي واسعة كأنه يذهب إلى أنه فوضى بينهم يقسمونه على العدد والحاجة ; لأن لكل أهل صنف منهم سهما ومن أصحابنا من قال : إذا الشافعي نقلت إلى المجدبين إذا كانوا يخاف عليهم الموت كأنه يذهب إلى أن هذا مال من مال الله عز وجل قسمه لأهل السهمان لمعنى صلاح عباد الله على اجتهاد الإمام وأحسبه يقول : وتنقل سهمان أهل الصدقات إلى أهل الفيء إن جهدوا وضاق الفيء إلى أهل الصدقات إن جهدوا وضاقت الصدقات على معنى إرادة صلاح عباد الله . تماسك أهل الصدقة وأجدب آخرون
( قال ) وإنما قلت بخلاف هذا القول ; لأن الله جل وعز جعل المال قسمين : أحدهما في قسم الصدقات التي هي طهرة فسماها الله الثمانية أصناف ووكدها ، وجاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم لا فقراء غيرهم ولغيرهم فقراء فلا يجوز فيها عندي - والله أعلم - أن يكون فيها غير ما قلت من أن لا تنقل عن قوم وفيهم من يستحقها ، ولا يخرج سهم ذي سهم منهم إلى غيره وهو يستحقه وكيف يجوز أن يسمي الله تعالى أصنافا فيكونون موجودين معا فيعطى أحد سهمه وسهم غيره ، ولو جاز هذا عندي جاز أن يجعل في سهم واحد جميع سهام سبعة ما فرض لهم ويعطى واحد ما لم يفرض له والذي يخالفنا يقول : لو أوصى بثلثه لفقراء بني فلان وغارمي [ ص: 262 ] بني فلان رجل آخر وبني سبيل بني فلان رجل آخر إن كل صنف من هؤلاء يعطون من ثلثه وأن ليس لوصي ولا وال أن يعطي الثلث صنفا دون صنف ، وإن كان أحوج وأفقر من صنف ; لأن كلا ذو حق بما سمي له ، وإذا كان هذا عندنا وعند قائل هذا القول فيما أعطى الآدميون أن لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطوا فعطاء الله أولى أن لا يجوز أن يمضي إلا على ما أعطى . الشافعي
( قال ) وإذا قسم الله الفيء وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أربعة أخماسه لمن أوجف على الغنيمة للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم ولم نعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل ذا غناء على من دونه ولم يفضل المسلمون الفارس أعظم الناس غناء على جبان في القسم وكيف جاز لمخالفنا في قسم الصدقات وقد قسمها الله تعالى أبين القسم فيعطي بعضا دون بعض وينقلها عن أهلها المحتاجين إليها إلى غيرهم ; لأن كانوا أحوج منهم أو يشركهم معهم أو ينقلها عن صنف منهم إلى صنف غيره ( أرأيت ) لو إذا كان عام سنة ; لأنهم من عيال الله تعالى هل الحجة عليه إلا أن من قسم الله له بحق فهو أولى به ، وإن كان من لم يقسم له أحوج منه وهكذا ينبغي أن يقال في أهل الصدقات وهكذا لأهل المواريث لا يعطى أحد منهم سهم غيره ولا يمنع من سهمه لفقر ولا لغنى . قال قائل لقوم أهل غزو كثير : أوجفوا على عدو أنتم أغنياء فآخذ ما أوجفتم عليه فأقسمه على أهل الصدقات المحتاجين
وقضى رضي الله عنه أيما رجل انتقل من مخلاف عشيرته إلى غير مخلاف عشيرته فعشره وصدقته إلى مخلاف عشيرته . معاذ بن جبل
ففي هذا معنيان أحدهما : أنه جعل صدقته وعشره لأهل مخلاف عشيرته لم يقل لقرابته دون أهل المخلاف ، والآخر أنه رأى أن الصدقة إذا ثبتت لأهل مخلاف عشيرته لم تحول عنهم صدقته وعشره بتحوله عنهم وكانت كما يثبت بدأ فإن قيل : فقد جاء عدي بن حاتم رضي الله عنه بصدقات أبا بكر والزبرقان بن بدر فهما ، وإن جاءا بها فقد تكون فضلا عن أهلها ، ويحتمل أن يكون بالمدينة أقرب الناس بهم نسبا ودارا ممن يحتاج إلى سعة من مضر وطيء من اليمن ويحتمل أن يكون من حولهم ارتدوا فلم يكن لهم فيها حق ويحتمل أن يؤتى بها رضي الله عنه ثم يردها إلى غير أهل أبو بكر المدينة وليس في ذلك خبر عن أبي بكر نصير إليه .
فإن قيل : فإنه بلغنا أن رضي الله عنه كان يؤتى بنعم من الصدقة عمر فبالمدينة صدقات النخل والزرع والناض والماشية وللمدينة ساكن من المهاجرين والأنصار وحلفاء لهم وأشجع وجهينة ومزينة بها وبأطرافها وغيرهم من قبائل العرب فعيال ساكن المدينة بالمدينة وعيال عشائرهم وجيرانهم وقد يكون عيال ساكني أطرافها بها وعيال جيرانهم وعشائرهم فيؤتون بها وتكون مجمعا لأهل السهمان كما تكون المياه والقرى مجمعا لأهل السهمان من العرب ولعلهم استغنوا فنقلها إلى أقرب الناس بهم ، وكانوا بالمدينة ( فإن قيل ) فإن رضي الله عنه كان يحمل على إبل كثيرة إلى عمر الشام والعراق فإنما هي - والله أعلم - من نعم الجزية ; لأنه إنما يحمل على ما يحتمل من الإبل وأكثر فرائض الإبل لا تحمل أحدا وقد كان يبعث إلى بنعم الجزية فيبعث فيبتاع بها إبلا جلة فيحمل عليها ( وقال ) بعض الناس مثل قولنا في أن ما أخذ من مسلم فسبيله سبيل الصدقات وقالوا : والركاز سبيل الصدقات ورووا ما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عمر } وقال { وفي الركاز الخمس } ثم عاد لما شدد فيه فأبطله فزعم أنه إذا وجد ركازا فواسع له فيما بينه وبين الله تعالى أن يكتمه ، وللوالي أن يرده عليه بعد ما يأخذه منه أو يدعه له فقد أبطل بهذا القول السنة في أخذه ، وحق الله في قسمه لمن جعله الله له ، ولو جاز ذلك جاز في جميع ما أوجبه الله لمن جعله له ( قال ) فإنا روينا عن المعادن من الركاز وكل ما أصيب من دفن الجاهلية من شيء فهو ركاز الشعبي أن رجلا وجد أربعة أو خمسة آلاف درهم فقال رضي الله عنه لأقضين فيها قضاء بينا أما أربعة أخماس فلك ، وخمس [ ص: 263 ] للمسلمين ثم قال : والخمس مردود عليك . علي
( قال ) رحمه الله فهذا الحديث ينقض بعضه بعضا إذا زعم أن الشافعي قال : والخمس للمسلمين فكيف يجوز أن يرى للمسلمين في مال رجل شيئا ثم يرده عليه أو يدعه له وهذا عن عليا مستنكر ، وقد رووا عن علي رضي الله عنه بإسناد موصول أنه قال : أربعة أخماسه لك واقسم الخمس في فقراء أهلك فهذا الحديث أشبه بحديث علي رضي الله عنه لعل علي علمه أمينا وعلم في أهله فقراء من أهل السهمان فأمره أن يقسمه فيهم . عليا
( قال ) رحمه الله وهم يخالفون ما رووا عن الشافعي الشعبي من وجهين : أحدهما أنهم يزعمون أن من كانت له مائتا درهم فليس للوالي أن يعطيه ولا له أن يأخذ شيئا من السهمان المقسومة بين من سمى الله تعالى ولا من الصدقات تطوعا ، والذي يزعمون أن ترك له خمس ركازه رجل له أربعة آلاف درهم ولعله أن يكون له مال سواها ويزعمون أنه إذا أخذ الوالي منه واجبا في مال لم يكن له أن يعود عليه ولا على أحد يعوله ويزعمون أن لو وليها هو لم يكن له حبسها ولا دفعها إلى أحد يعول . عليا
( قال ) رحمه الله وإذا كان له أن يكتمها وللوالي أن يردها إليه فليست بواجبة عليه وتركها وأخذها سواء وقد أبطلوا بهذا القول السنة في أن في الركاز الخمس وأبطلوا حق من قسم الله له من أهل السهمان الثمانية ، فإن قال : لا يصلح هذا إلا في الركاز قيل : فإن قيل لك : لا يصلح في الركاز ويصلح فيما سوى ذلك من صدقة وماشية وعشر زرع وورق فما الحجة عليه إلا كهي عليك ؟ والله سبحانه وتعالى أعلم . الشافعي