الباب الأول في ذكر أعمامه وعماته -صلى الله عليه وسلم- على سبيل الإجمال
اختلف في عدد أولاد عبد المطلب ، فقيل : هم ثلاثة عشر ، وقيل : اثنا عشر ، وقيل : عشرة ، وقيل : تسعة . فمن قال : إنهم ثلاثة عشر تلاهم : الحارث ، وأبو طالب ، والزبير ، وعبد الكعبة ، وحمزة ، والعباس ، والمقوم ، وحجل واسمه المغيرة ، وضرار ، وقثم ، وأبو لهب ، والغيداق . فهؤلاء اثنا عشر ، وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن جعل عدتهم عشرة أسقط عبد الكعبة ، وقال : هو مقوم ، وجعل الغيداق وحجلا واحدا .
ومن جعلهم تسعة أسقط قثم ، ولم يذكر أبا النبي صلى الله عليه وسلم .
ولم يذكر ابن إسحاق وابن قتيبة غيره ، وجعلهم الحافظ عبد الغني أحد عشر : عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب ، وبه كان يكنى ، شهد معه حفر زمزم ، ومات في حياة أبيه ، ولم يدرك الإسلام ، أمه صفية بنت جندب من نساء بني هاشم ، وقثم ، قال في الصحاح : هو معدول عن قاثم ، وهو المعطى .
قال هلك صغيرا ولم يعقب ، ولم يدرك الإسلام ، كذا ذكره البلاذري : الزبير ، وبه جزم عبد الغني . وقال إنه شقيق ابن الكلبي : العباس .
والزبير -بفتح الزاي- كذا ضبطه الحافظ مغلطاي في "الزهر الباسم" في غير موضع بالحروف ، وعن ذلك هو والوزير الأحمد بن يحيى البلاذري في الأنساب وحده ، والباقون على ضمها . اهـ .
وقد طال تتبعي لذلك على أني وجدت على نسخة صحيحة من تاريخ قوبلت ثلاث مرات على أصول صحيحة في ترجمة البلاذري عبد المطلب ما نصه في الأصل حيث وقع : الزبير -بفتح الزاي وكسر الباء- فسررت بذلك .
قال ابن ماكولا : ومن ذيل عليه لم يذكروا ذلك ، ولا شيخ الإسلام ابن حجر في التبصير مع سعة اطلاعه ، ولله الحمد ، ويكنى أبا الحارث ، وكان أحد حكام قريش ، وهو أسن من عبد الله ومن أبي طالب ، كان شاعرا سريعا ، رئيس بني هاشم وبني المطلب والفهامة في حرب الفجار ، كان ذا عقل ونظر لم يدرك الإسلام .
وحمزة كنيته وقيل : أبو يعلى ، أبو عمارة ، وهما ولدان له ، وأمه هالة بنت وهيب ، ويقال : أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، وهي بنت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أسن من [ ص: 83 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين . ذكره الحاكم .
قال في الإمتاع : في ذلك إشكالان :
أحدهما : ما ثبت في الحديث أن حمزة وعبد الله بن عبد الأسد بن هلال المخزومي أرضعتهما ثويبة مولاة أبي لهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي صحيح عن مسلم -رضي الله تعالى عنه- قال : علي قريش وتدعنا ؟ قال : وعندكم شيء ؟ ! قلت : نعم ، بنت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها لا تحل لي؛ إنها ابنة أخي من الرضاعة" . حمزة ، قلت : يا رسول الله ، ما لك تنوق في
وجه الإشكال أن إذا كان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ، كيف يصح أن تكون حمزة ثويبة أرضعتهما معا ، والحديث صحيح ، فهو مقدم على غيره ، إلا أن تكون أرضعتهما في زمانين ، ويؤيد ذلك قول وكانت البلاذري : ثويبة مولاة أبي لهب أرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما قلائل قبل أن تأخذه حليمة من لبن ابن لها ، يقال له : مسروح ، وأرضعت قبله وأرضعت بعده حمزة بن عبد المطلب ، أبا سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي ، وبهذا ينحل الإشكال ، والله تعالى أعلم .
الإشكال الثاني : أنه قد اشتهر أن عبد المطلب بن هاشم نذر إن آتاه الله عشرة من الولد ذكورا ، لينحرن أحدهم عند الكعبة ، كما سبق بيان ذلك ، لكن يزيل الإشكال ما رواه من طريقين عن البلاذري محمد بن عمر الأسلمي قال : سألت عبد الله بن جعفر : متى كان حفر عبد المطلب زمزم ؟ فقال : وهو ابن أربعين سنة ، قلت : فمتى أراد ذبح ولده ؟ قال : بعد ذلك بثلاثين سنة ، قلت : قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أجل ، وقبل مولد حمزة .
استشهد بأحد وهو ابن أربع وخمسين ، وتقدم ذكره مبسوطا في غزوتها .
أسلم وحسن إسلامه ، وهاجر إلى والعباس : المدينة ، وكان له عشر من الذكور ، لهم صحبة ، وثلاث إناث : الفضل ، وهو أكبر أولاده ، وبه كان يكنى ، وعبد الله ، وهو الحبر ، وعبيد الله وكان جوادا ، وقثم ، ومعبد ، وأم حبيب ، وأمهم واحدة . وعبد الرحمن ، وكثير ، وتمام ، وأمهم رومية .
قالوا : ما رأينا بني أم قط تباعدت قبورهم كتباعد قبور بني فقبض أم الفضل لبابة بنت الحارث الكبرى ، الفضل بالشام باليرموك ، وعبد الله بالطائف ، وعبيد الله بالمدينة ، وقثم بسمرقند ، ومعبد بإفريقية ، وكان أيسر بني هاشم ، وكان له ثوب لعاري بني هاشم ، وجفنة لجائعهم ، ويقظة لجاهلهم ، كان يمنع الجار ، ويبذل المال ، ويعطي في النوائب ، وكان نديمه في الجاهلية شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ليستوثق ، ولم يسلم يومئذ ، ثم أسلم بعد ذلك ، واختلف في وقت إسلامه فروي أنه أسلم قبل أبا سفيان بن حرب ، بدر ، ولكنه كان يكتم إيمانه ، وقيل : أسلم بعد وقعة خيبر ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا والطائف ، وثبت معه يوم حنين .
وأبو طالب بن عبد مناف شقيق عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 84 ] كفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جده؛ لأنه أوحي إليه ، فأحسن القيام بنصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان يقر بنبوته ، ولكنه أبي أن يدين بذلك خشية العار ، والله غالب على أمره ، مات في النصف من شوال في السنة العاشرة من البعثة ، وهو ابن بضع وثمانين سنة ، وقيل : أكثر من ذلك ، ولد له من الذكور أربعة ، ومن الإناث اثنتان .
طالب : مات كافرا ، وهو أكبر ولده ، وبه كان يكنى ، وعلي ، وجعفر ، وعقيل ، وأم هانئ ، كنيت باسم ابنها ، واسمها فاختة ، وقيل : عاتكة ، وقيل : فاطمة ، وقيل : هند ، وجمانة ، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم -رضي الله تعالى عنها- وكان أصغرهم ، علي وجعفر أسن منه بعشر سنين ، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين ، وطالب أسن من عقيل بعشر سنين .
وأبو لهب : واسمه عبد العزى ، تقدم خبر وفاته أواخر قصة بدر ، ومن ولده عتبة ، ومعتب ، ثبتا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ، وأصيبت عين معتب ، أسلما يوم الفتح ، وآخرهما عتيبة بالتصغير ، مات كافرا ، سلط الله عليه الأسد كما سبق في المعجزات .
وعبد الكعبة : لم يدرك الإسلام ، قاله درج صغيرا ، ولم يعقب ، وهو شقيق البلاذري : عبد الله .
وحجل ، قال الدارقطني والنووي في تهذيبه : بحاء مهملة مفتوحة ، فجيم ساكنة ، وهو في الأصل الخلخال ، وضبطه في العيون بتقديم الجيم على الحاء ، وهو في الأصل نوع من اليعاسيب .
وقال كل شيء ضخم فهو حجل ، وحجل يسمى المغيرة ، وقيل : أبو حنيفة الدينوري : مصعب ، وهو شقيق والعباس .
وضرار : مات أيام أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من أكثر فتيان قريش جمالا وسخاء ، لا عقب له ، وهو شقيق العباس .
والغيداق -بغين معجمة فتحتية فدال مهملة فألف فقاف- لقب بذلك؛ لجوده ، وكان أكثر قريش مالا ، قال ابن سعد : اسمه مصعب ، وقال الدمياطي : نوفل ، وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك .
والمقوم -بضم الميم وفتح القاف وتشديد الواو مفتوحة ومكسورة- يكنى أبا بكر .
والعوام : نقله في "العيون" عن بعضهم ، وقال بعضهم :
اعدد ضرارا إن عددت فزائدا والليث حمزة واعدد العباسا واعدد زبيرا والمقوم بعده
والصمت حجلا والفتى الرآسا وأبا عبيدة فاعددنه ثامنا
والقرم عبد مناف العباسا والعرم عبدا ما يعد حجا حجا
سادوا على رغم العدو الناسا
والحارث الفياض ولى ماجدا أيام نازعه الهمام الكاسا
ما للأنام عمومة كعمومتي أنى وهم خير الأناس أناسا
عاتكة : شقيقة عبد المطلب وعبد الله ، قال أبو عبد الله : الأكثر على أنها لم تسلم ، وذكرها ابن فتحون في ذيل الاستيعاب ، واستدل على إسلامها بشعر لها تمدح به النبي صلى الله عليه وسلم وتصفه بالنبوة . وقال لها شعر يذكر فيه تصديقها . وقال الدارقطني : ابن سعد : أسلمت عاتكة بمكة ، وهاجرت إلى المدينة ، وهي صاحبة الرؤيا المشهورة .
كانت تحت أبي أمية بن المغيرة المخزومي ، فولدت له عبد الله وزهيرا ، وكلاهما ابنا عم أبي جهل أخي زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبيها ، كما جزم به أم سلمة أبو عمر .
فأما عبد الله فأسلم ، وكان قبل إسلامه شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي قال : لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا [الإسراء : 90] إلى أو يكون لك بيت من زخرف [الإسراء : 93] ثم إنه -رضي الله تعالى عنه- خرج مهاجرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلقيه في الطريق بين السقيا والفرع مريدا مكة عام الفتح فتلقاه ، فأعرض عنه مرة بعد أخرى ، حتى دخل على أخته -رضي الله تعالى عنها- وسألها أن تشفع ، فشفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحسن إسلامه ، وشهد فتح أم سلمة مكة وحنينا والطائف ، فرمي يوم الطائف بسهم فقتله ، ومات شهيدا ، رضي الله تعالى عنه .
وأما زهير بن أمية وأميمة فاختلف في إسلامهما ، فنفاه ولم يذكرها غير ابن إسحاق ، ابن سعد ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمها أربعين وسقا من خيبر ، قاله الحافظ .
فعلى هذا كانت لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتها زينب موجودة ، وكانت تحت جحش بن رئاب أخي بني تميم من دودان بن أسد بن خزيمة ، فولدت له عبد الله وعبيد الله وأبا أحمد .
وزينب وحمنة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأم حبيبة وحمنة أسلموا كلهم ، وهاجر الذكور الثلاثة إلى أرض الحبشة ، فتنصر عبيد الله هناك ، وبانت منه زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان .