الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حتى تكون مرشد حملة ناجحاً

حتى تكون مرشد حملة ناجحاً

حتى تكون مرشد حملة ناجحاً

لم يزل الحج موسماً من أهم المواسم عند الدعاة إلى الله تعالى باعتباره مجالاً خصباً للإصلاح والتوجيه، وتنبع أهميته من وقوعه في أيّام فاضلة من خير الأيام عند الله تعالى، وارتباطه بخير البقاع على الأرض وأحبها إليه سبحانه، وتوافر الأجواء الإيمانية التي تهيء للناس فرصة استماع النصيحة والتأثر بها، عدا ما يتيحه من التواصل المستمرّ والاحتكاك المباشر بين الداعية والمدعو، لذا كان من هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – استغلال هذا الموسم العظيم في دعوة الناس وتوجيههم .

وإذا كان الأمر بمثل هذه الأهمية، فلا بد من وقفة تذكير ونصح للعاملين في حقول الدعوة والمرشدين في الحملات، لتكون خطوة إلى الأمام نحو تأثير أكبر وتعامل أمثل مع فئات الحجيج .

وأوّل ما ينبغي التذكير به هو استحضار الإخلاص لله عزّوجل، وذلك بتجريد النفس من كل شائبة تقدح في النوايا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما صحّ عنه: (إنّ الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا, وابتُغِي به وجهه) رواه النسائي ، وكم كان لجهود متواضعة ثماراً عظيمة بفضل ما تحلّى بها أصحابها من النية الصادقة والعمل الخالص، وقديما قالوا: "ما خرج من القلب، وصل إلى القلب".

وينبغي أن يُضاف إلى ذلك استشعار ثقل الأمانة وعظم المسؤولية، في وقت فشى فيه الجهل، وانتشرت أنواع البدع، وكثرت فيه المعاصي، وغفل فيه الناس، فلا منقذ لهم بعد الله إلا جهود المصلحين من أبناء الأمة.

والحديث عن إنجاح دور الدعاة والمرشدين يتناول أمرين: مضمون الدعوة وأسلوبها، أما من ناحية المضمون فينبغي أن يُراعى فيه جانب الشمولية، بحيث تغطّي احتياجات جميع المتواجدين في الميدان، ويأتي في المقدمة دروس التوحيد وتقرير العقيدة الصحيحة، ثم الحديث عن بعض الأحكام الفقهية، التي لا يسع المسلم جهلها في العبادات عموماً والحج خصوصاً، مع التطرّق للكثير من مسائل السلوك وأبواب الآداب.

ومن الأمور المهمة مراعاة التنويع في محتوى الدروس تنشيطاً للمستمعين، وبالتالي الوصول إلى مستوى أعلى في التفاعل، كذلك لا ننسى تخصيص النساء بشيء من تلك الدروس، فإن لهنّ حقًّا في التوجيه والدعوة، مع مراعاة مناسبة موضوع الخطاب للمخاطبين، فللأغنياء قضايا وتوجيهات تختلف عن تلك التي تناسب فئة الفقراء، والحديث عن هموم الشباب ومشاكلهم قد لا يناسب كبار السنّ، وهكذا.

إلا أنه ينبغي تجنّب الإكثار في الدروس حتى لا يصاب الحجاج بالملل، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام، كراهة السآمة علينا).

وعند تناول دروس الفقه والأحكام لا ينبغي الدخول في المسائل المتكلفة التي يندُر وقوعها أو لا تقع، أو الفرعيات التي لا تفيد، ويجب الحذر من التوسع في ذكر الخلاف، وذكر الأقوال المهجورة أو الشاذّة؛ لأن ذلك مدعاة لاختيارهم القول بناء على التشهّي والهوى لا باعتبار الأقرب إلى الحق والصواب، كما ينبغي التزام جانب الأحوط في المسائل الاجتهادية، والتيسير على الناس فيما جاءت به الشريعة برفع الحرج فيه.

أما عن أساليب الدعوة فهي كثيرة ولله الحمد، فليست مقتصرة على أسلوب النصح والإرشاد المباشر، بل قد يكون تلميحاً خفيّاً يفهمه المخاطب من غير إحراجٍ له أو جرح مشاعره، ويمكننا أن نضرب لذلك مثالاً: لو افترضنا أن المرشد وجد في حملته من يدخّن، يمكنه بدلاً من الأسلوب المعهود من التذكير بحرمة التدخين وجوانب ضرره أن يسلّم عليه أولاً، ثم يتظاهر بسؤاله عن أمر ما، ويختم كلامه بطلب التأمين على دعائه، فيدعو له أن يخلصه من بلاء الدخان، ومثل هذه الأساليب غير المباشرة قد تكون أعظم أثراً من غيرها.

وقد يكون لحسن التعامل مع الآخرين والأخلاق العالية أكبر واعظٍ في القلوب، فلا يحتاج الداعية بعدها إلى كثير نصحٍ وتوجيه، ويظهر ذلك في أثر الابتسامة في قلوب الناس والتلطّف معهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال فيما صحّ عنه: (تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) رواه الترمذي ، والابتسامة هي المفتاح للقلوب المستعصية.

كما أن خدمة الناس وتلبية احتياجاتهم لها أثر سحري في إزالة الحواجز بين الداعية والمدعو، وهذه القضية لا تخفى على من مارس العمل في الحملات الدعوية، والواقع يشهد على مدى النجاح الذي حقّقته في صفوف الحجاج.

ويمكن استغلال موسم الحج في دعوة من هم خارج نطاق الحملة، والدعوة في ذلك النطاق مثمرة للغاية، وأكثر سهولة من الدعوة في داخل الحملة، وذلك لعلم المرشد أو الداعية بصعوبة الالتقاء بالمدعو ذاته مرة أخرى، وهذا يسهم في زوال الكلفة التي تحدث عند المواجهة أو الخجل من ممارسة الدعوة.

ومن الأمور التي ينبغي الإشارة إليها احتياج المشرف أو الداعية إلى المرونة في تعامله مع الآخرين، خصوصاً مع كبار السنّ، الذين يحتاجون إلى الكثير من التلطّف وسعة الصدر، وطول البال عند تلبية احتياجاتهم، والإجابة على أسئلتهم .

وللوسائل الدعوية دورٌ في توصيل الأفكار، كالمطويات المختلفة واللوحات الجاهزة، التي تعلق في أرجاء المخيم، بما تحويه من رسائل ضمنية تصل إلى قلب المدعو، وتؤثر في وجدانه، وتصحح من مساره.

وأخيراً نقول: إن مقياس النجاح في عمل الداعية والمرشد يكون بأداء ما أمر الله به من دعوة الناس إلى الخير، وإرشادهم إلى الحق، وبذل الوسع في ذلك، دون أن يعني بالضرورة الاطلاع على ثمار دعوته ونتائجها، فالهداية أولاً وأخيراً من الله عزوجل، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة