الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نظرة على الفضائيات الإسلامية

نظرة على الفضائيات الإسلامية

ليس نقدنا لأداء القنوات الفضائية الإسلامية، معناه أننا ضد الإعلام الهادف، ولكن نقدَنا هو من باب السعي إلى الإصلاح، وتنبيه القائمين عليها أن هناك خللاً مَّا يجب الانتباه إليه قبل أن يستفحل الخلل، وعندها لن نعود قادرين على تعديل الحال.

فالتركيز على جودة المحتوى وحرفيَّة الإنتاج، يجب أن يطغى على تعبئة ساعات البث، ويـبقى التحدي الأساسي أمام القنوات الفضائية الإسلامية، هو التكاثر العددي للفضائيات على حساب النوع؛ فالأهم في المرحلة المقبلة ما نقدِّمه للمشاهد، ثم التكتل حتى تصمد القنوات أمام حُمَّى التنافس التي بدأت تظهر بشكل واضح.

مهام الإعلام الإسلامي:
يؤرَّخ لبداية ظهور القنوات الإسلامية في حقل الإعلام الفضائي بظهور قناة اقرأ الفضائية في غُرَّة رجب عام 1419هـ ثم توالى الشلال الإعلامي الفضائي الإسلامي؛ فظهرت قناة المجد، والرسالة، والناس، والحكمة، والفجر، والرحمة، وهدى، ودليل... وغيرها. وعلى الرغم من حداثة التجربة الفضائية الإسلامية مقارنة بالقنوات العامة الأخرى أو حتى المتخصصة، إلا إنه يمكننا القول: إن الفضائيات الإسلامية استطاعت أن تثبت نفسها رغم حداثة سنِّها وقلَّة خبرتها.

وتتلخص مهمة الإعلام الإسلامي في مبدأ البلاغ المبين الذي حث عليه القرآن الكريم من خلال الإخلاص والتفاني في تقديم كلِّ ما هو موضوعي وصادق بعيداً عن الكذب والخداع. وقد قررت أقلام الخبراء الذين فصَّلوا في أهداف الرسالة الإعلامية الإسلامية التي تضطلع بها الوسائل الإعلامية الإسلامية، التوافق مع رسالة الإسلام السمحة؛ لأن الإعلام الإسلامي جزء رئيس في البناء الإسلامي الشامل؛ ومن هنا فمن أوَّليَّات الإعلام الفضائي الإسلامي الالتزام بمنهج التبليغ القرآني في العرض، واستقطاب الدعاة للدعوة، والتعرُّف على أساليب التأثير في المتلقي؛ حتى تصل الرسالة الإعلامية بشكل واضح.
ويشتمل الإعلام الفضائي الإسلامي الحالي على جملة من الأهداف والتطلعات، ومن مهام الإعلام الأُولَى وأهدافه الرئيسة، تحقيق الأغراض الإسلامية التي ينبغي أن تصبغ المجتمع لتنقيته من الشوائب ومواجهة الأفكار المنحرفة التي تَرِدُ من الإعلام وغيره.

كذلك الإسهام في صناعة رأي عام إيجابيٍّ، بنَّاءٍ، متفِقٍ مع تعاليم الدين الإسلامي يستخدم سبل الدعوة والإرشاد للدفاع عن الدين الإسلامي بأسلوب مليء بالحكمة والموعظة الحسنة؛ مع الابتعاد عن الحزبية والثللية، والإسهام في تربية أفراد المجتمع تربية صحيحة سليمة، بعيدة عن الأفكار التي تُبعِد المسلم عن حقيقة الإسلام ومقاصده.

خصائص الفضائيات الإسلامية:
يُطلَق لفظُ (إسلامي) في عمل الفضائيات على القنوات التي تحمل في مضامين تأسيسها وبرامجها جوانب عقدية وشرعية؛ بمعنى: أن أي قناة تحمل في مضامين تأسيسها وبرامجها ما يناقض الشريعة الإسلامية فلا يمكن إطلاق لفظ (إسلامية) عليها، وما إطلاق بعض القنوات الإسلامية على نفسها اسماء قنوات عامة إلا من باب عدم تصنيفها عند الدول الحاضنة؛ كاجراء احترازي، وحتى لا تدخل في المسائل القانونية التي لا فكاك منها.

ومن خصائص الإعلام الفضائي الإسلامي أنه جزء من الحياة التي يعيشها المجتمع الإسلامي كله؛ فهو إعلام عقدي بالدرجة الأساسية؛ ومن هنا فإن الالتزام بمبادئ الإسلام يقتضي الالتزام بكل ما جاء في كتاب الله - تعالى - وفي السُّنة النبوية.

ومن خصائص الإعلام الفضائي الإسلامي أنه إعلام متزن، لا يقول إلا خيراً، رعاية لمسؤولية الكلمة، واستشعاراً لمسؤوليته تجاه الأمة؛ فإذا تعرضت عقيدتها ومقدساتها لحملات تشويه من الإعلام المضاد، فعند ذلك يجب على الإعلام الإسلامي أن يَهُبَّ لنصرة الحق وكشف الشبهات، وتفنيد الدعاية المضلِّلة، وإظهار الحقائق للرأي العام الإسلامي وللناس عامة. وهذا بالتأكيد هو الدور المنوط بالفضائيات الإسلامية للقيام به.

ومن منطق الحرص على الفضائيات الإسلامية بعد تكاثُرِ عددها في السنوات الماضية، دراسةُ الساحة الإعلامية، ومعرفةُ أوجه القصور والخلل، وتعزيزُ الجوانب الإيجابية في مسيرة الفضائيات؛ لمواجهة الإشكاليات التي من شأن معالجتها الرقي بالإعلام الفضائي الإسلامي، مدركين أن التلفاز في الأساس جهاز ترفيهي في أصل اختراعه، وتحويله إلى جهاز تثقيفي تعليمي دعوي ليس بالمهمة السهلة؛ لما يتطلبه الأمر من خبرات عالية، ورؤية واضحة.

ومن متطلبات القنوات الفضائية، وجود جمهور محدَّد وفي منطقة محدَّدة؛ حتى يمكن صياغة رسالة مناسبة وترجمتها في برامج. أما التعميم على الجمهور والمنطقة فإنه يصعِّب الأمر على القائمين على القنوات الفضائية الإسلامية ويُضْعِف من قدرتهم على الوصول إلى المستهدفين. ومع ذلك فمن الظلم أن يقتصر الإعلام الإسلامي على فئة محدَّدة من البشر؛ فهو إعلام له عموميته التي تنبع من عمومية الإسلام كدين لجميع البشر، وهو إيجابي فيه من عناصر المرونة في أحكامه الملائمة لكل زمان ومكان، ومع ذلك يجب أن نحدد بعض السلبيات في الفضائيات الإسلامية حتى نعزز الرسالة الإيجابية عند القنوات الفضائية ونرتقي في الرسالة الإعلامية التي تقدِّمها الفضائيات الإسلامية.

حتى نرتقي فنيّاً:
يجب على العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي:

• الاهتمام بالصورة على حساب الصوت: فكثير من الفضائيات الإسلامية حولت التلفزيون إلى إذاعة تتضمن صوراً متناثرة بين حين وآخر.

• التركيز على الجانب الفني: فحالة الضعف الفني لكثير من الفضائيات الإسلامية في الإخراج، والتصوير، والديكور، وغلبة الأساليب القديمة؛ لعدم تراكم الخبرات عند القائمين على العمل الفني، تستوجب من القائمين على الفضائيات الإسلامية البحثَ عن أصحاب الخبرات وتدريبَ العاملين في الأقسام الفنية.

• توفير التدريب لكل العاملين في مراحل الإنتاج التلفزيوني: فالصورة الحالية للكثير من الفضائيات الإسلامية، هي وجود مقدِّمين ومُعدِّين وإداريين، وقلَّةُ المتخصصين عموماً في العمل التلفزيوني.

• الاهتمام بالشاشة ورَفْدُها بعناصر التشويق والإبهار والجاذبية: فأغلب الفضائيات الإسلامية لم تستفد تماماً من التقنيات المتجددة في الصورة التلفزيونية.

حتى نرتقي مالياً:
يجب مراعاة ما يلي:
• الاهتمام بالمخصصات المالية باعتبارها عنصراً أساسياً للعمل الإعلامي: فالضعف المالي عند الفضائيات الإسلامية يؤدي إلى تعثُّر المشاريع وهروب العناصر المؤهَّلة من الفضائيات الإسلامية.

• وَضْع ميزانيات واضحة للبرامج تحكم خطة العمل في الدروات البرامجية: فكثير من الفضائيات الإسلامية لا تُقِرُّ ميزانية واضحة في الدروات البرامجية، وتبحث دائماً عن مموِّل لأي برنامج قبل بثِّه. وإن كانت هذه النظرية صحيحة من جانب اقتصاديات الإعلام، لكن تطبيقها يوضح الخلل؛ فلا يوجد قوة في المنتَج من ناحية الصورة الفنية والفكرية.

• بناء ما يعرف بالأوقاف الإعلامية: وعدم الاتكاء على الدعم والمساعدات الخيرية.

• وضع معايير واضحة في التوظيف واختيار العناصر المؤهَّلة للعمل: فالصورة الراهنة محزنة بسبب التعيين بناء على العلاقة الشخصية.

• الاعتماد على بيوت الخبرة الإعلامية قبل الدخول في معترك تأسيس القنوات الفضائية، وإجراء دراسة شاملة لاقتصاديات السوق على المستوى الإعلامي.

• تغذية القنوات الفضائية الإسلامية بالمتخصصين في الجوانب (النفسية والتربوية والاجتماعية والإعلامية)، مع الجانب الشرعي الدعوي الواضح في القنوات الفضائية الإسلامية.
• الاستفادة من الأشخاص المؤهلين والمدربين، ومن هم في صُلْب العمل الإعلامي لإدارة القنوات الفضائية الإسلامية.

• وَضْعُ حدٍّ فاصل ما بين المدير الإعلامي والممول: ففي القنوات الفضائية الإسلامية أصبح الممول هو المدير الإعلامي والإداري.

حتى نرتقي فكرياً وبرامجياً ينبغي:
• وضع خطةٍ برامجية واضحة المعالم لعرض البرامج ذات الجماهيرية العالية في أوقات الذروة، والعكس صحيح.

• الخوض في تفاصيل جوانب الحياة الإسلامية، وعدم الاتكاء على العموميات في الطرح.

• صياغة البرامج الديينة تحديداً بطريقة عصرية: فالتلفزيون في الأصل وسيلة ترفيه، وتحويله إلى وسيلة تعليمية ودعوية يحتاج إلى خبرات إضافية استثنائية في المحتوى.

• الاهتمام ببرامج المرأة والطفل، والبعد عن الخطاب العام السائد حالياً في مختلف الفضائيات الإسلامية.

• تنويع مختلف أنماط البث وتقديم البرامج؛ حتى نخرج من الصورة النمطية السائدة.

• استضافة العلماء أصحاب الشخصية والأداء التلفزيوني القوي.

• مناقشة كافة القضايا المطروحة للنقاش في الساحة الإعلامية، ووضعها في نطاقها المحدَّد؛ دون خوف من المساءلة.

• التجديد في البرامج، وعدم الاعتماد على برامج الأستوديو، والبرامج المسجَّلة، والبرامج المعلَّبة الجاهزة.

• الابتعاد عن الخطاب الإعلامي المباشر، المتضمن توجيهات دينية أو وعظ؛ وإن كانت مطلوبة بحد ذاتها، لكن أن تكون في نطاق ضيق وكجزء من التنويع في المحتوى البرامجي.

• إلغاء الخطوط الحمراء الداخلية الوهمية في معالجة القضايا المعاصرة.

• الابتعـاد عن التكـرار فـي عـرض البرامـج؛ إذ كثيـراً ما يسبب الملل لدى المشاهد.

إننا لا نشك في أهداف القائمين على الفضائيات الإسلامية؛ لذا عليهم أن يدركوا أن التلفزيون أداةٌ ترفيهيةٌ في المقام الأول، وأن ما طرأ عليه من إدخال برامج تعليمية وتثقيفية وعلمية، هو من سبيل استثمار هذه الآلة فيما ينفع للوصول إلى الجماهير بطريقة مشوِّقة جذابة.

والقنوات الفضائية الإسلامية إذا ما أرادت أن تحقق الحضور المثمر والمنافسة الفعلية، فعليها أن تقوم بدراسة احتياجات الجمهور، وأن تعمل على إيجاد البديل النافع وَفْقَ الضوابط الشرعية والرؤى الواضحة، وهذا لن يأتي من غير الاستعانة بالكفاءات ذات الخبرة الإعلامية لوضع الخطوط العريضة، الفاصلة لقضايا تتعلق بالعمل الإعلامي الإسلامي.

أما الاستمرارية في الساحة الفضائية، فيستوجب جذب جمهور من خارج الوسط الإسلامي؛ وهو ما يضعها أمام مسؤولية الجمع بين الجاذبية والالتزام، وهذا لن يكون إلا بتوفيق الله - عز وجل - أولاً، ثم توفُّر الوعي والإخلاص والعزيمة عند الكفاءات الإعلامية.
ـــــــــــــــــــ
المصدر: باسل النيرب (البيان276)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة