الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع الحديث باعتبار منتهى السند 1-2

أنواع الحديث باعتبار منتهى السند 1-2

أنواع الحديث باعتبار منتهى السند 1-2

تتعدد الاعتبارات التي يمكن تقسيم الحديث النبوي بالنظر إليها، ورغم تأخر ظهور تلك التقاسيم والأنواع أو بالأحرى: مسمياتها وألقابها، إلا أن معرفتها صارت ضرورية لكل مشتغل بالحديث النبوي الشريف أو محبٍّ له، وحسبنا أن نقف هذه المرة مع أنواع الحديث باعتبار منتهى السند (جهة المنقول عنه)؛ إذ هو بهذا الاعتبار ينقسم إلى أربعة أنواع: قدسي ومرفوع وموقوف ومقطوع، وإليكم تفصيل ما يتعلق بكل نوع منها.

أولا: الحديث القدسي

الحديث القدسي: هو لقب شاع عند المتأخرين فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلَّم عن ربه عزَّ وجلَّ، ويطلق عليه أيضا: الحديث الرباني والحديث الإلهي.

والقدسي لغةً: مشتق من القداسة وهي الطهارة والنزاهة، واصطلاحاً: هو ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى، أو: هو الذي يضيفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى بقوله: "قال الله عز وجل، يقول الله تعالى" أو نحو ذلك.

وعرّفه بعض المحققين بأنه: "الحديث المرفوع القولي المسند من النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى الله عزَّ وجلَّ"، وهذه ميزة عن القرآن من جهة أن القرآن لا يقال فيه "حديث مرفوع"، و"القولي" ميَّزه عن سائر أنواع المرفوع، والنسبة إلى الله عزَّ وجلَّ أخرجته من عموم المرفوعات القوليَّة التي هي ممَّا أنشأه النبي صلى الله عليه وسلَّم بألفاظه.

مثاله: ما رواه قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: (إذا تقرب العبد إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة) رواه البخاري ومسلم، وأيضا ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: وَمَنْ أظْلَمُ مِمَّن ذَهَبَ يَخلُقُ خَلْقَاً كَخَلْقِي، فَليَخْلُقُوا حَبَّةً أو ليَخْلُقُوا ذَرَّةً أو ليَخلُقُوا شَعِيْرَةً) رواه مسلم وهذا لفظه، وروى نحوه أحمد والبيهقي.

قال العلماء: "القرآن لفظ معجز، ومنزل بواسطة جبريل، والحديث القدسي غير معجز، وبدون الواسطة"؛ ولذا تقع مرتبة الحديث القدسي بين القرآن الكريم والحديث النبوي، فالقرآن الكريم ينسب إلى الله تعالى لفظاً ومعنىً، والحديث النبوي ينسب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم لفظاً ومعنىً، والحديث القدسي ينسب إلى الله تعالى معنىً لا لفظاً، ولذلك لا يتعبد بتلاوة لفظه، ولا يقرأ في الصلاة، ولم يحصل به التحدي.

وأيضا فإن القرآن قطعي الثبوت، فهو متواتر كله، وأما الحديث القدسي فيخضع لقواعد التحديث وأصوله من حيث الصحة والحسن والضعف، وربما اتصف بالوضع إذا كان في رواته من يبرر الحكم عليه بذلك، أو كان مما أضيف إلى الله عز وجل من غير سند.

وأما من جهة مقارنته بالحديث النبوي فإن الحديث القدسي ينسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه تبارك وتعالى، وأما الحديث النبوي فلا ينسبه إلى ربه سبحانه وتعالى، وأيضا فإن الأحاديث القدسية قليلة بالنسبة لمجموع الأحاديث، وأما الأحاديث النبوية فهي كثيرة جداً لأن منها الأحاديث القولية والفعلية والتقريرية، بينما الأحاديث القدسية لا تكون إلا قولية.

ثانيا: الحديث المرفوع

الحديث المرفوع: هو ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وسواء كان المضيف هو الصحابي أو من دونه، متصلاً كان الإسناد أو منقطعاً، وسُمي مرفوعاً لارتفاع مرتبته؛ لأن السند غايته النبي صلى الله عليه وسلّم، فإن هذا أرفع ما يكون مرتبة، ويعتاض عن اللفظ الصريح بالإضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بالقول مثلاً: "عن أبي هريرة مرفوعاً" ويساق لفظ الحديث، دون ذكر: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ويقع هذا اختصاراً، لكن لا ينبغي استعماله كثيرا من أجل ما يفوت به من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة والتسليم عليه.

ومن أمثلة الحديث المرفوع قول الصحابي أو غيره: "قال رسول الله كذا.." فهذا نوعٌ، ومن أمثلته أيضا: "فعل رسول الله صلى الله عليه كذا، أو فُعِل بحضرته كذا" فهذا نوعٌ ثانٍ، والثالث مثل: "كان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس..".

فمن النوع الأول: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه... الحديث) متفق عليه، ومن النوع الثاني: قول أم عطية رضي الله عنها: "أُمرنا أن نُخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور، وأُمِرَ الحيض أن يعتزلن مصلى المسلمين" متفق عليه، وقول أنس رضي الله عنه: "أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة" متفق عليه، وقول جابر رضي الله عنه: "كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه النسائي وابن ماجه، ومن النوع الثالث: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس.. " رواه البخاري.

وقد اعتبر المحققون من علماء الحديث أن النوع الأول - مما ذكرناه - مرفوع صريح، بينما النوع الثاني والثالث مرفوع حكمًا - أي له حكم الرفع -.

وقد درج بعض أهل الحديث على استعمال لفظ "الحديث المرفوع" في مقابلةِ "الحديث المرسَل"؛ وهم يعنون بذلك المرفوع المتصل، والله تعالى أعلى وأعلم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة