الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 3-4

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 3-4

أنواع الحديث باعتبار القبول والرد 3-4

بعد أن ذكرنا النوع الأول من أنواع الحديث باعتبار القبول والرد، وهو الحديث المقبول، نأتي إلى بيان النوع الثاني منه وهو الحديث المردود، أي الحديث الذي فقد شرطا من شروط الحديث المقبول، وينطبق ذلك على الحديث الضعيف بجميع أنواعه.

والضعف درجات عديدة: أدناها ما يكون بسبب الانقطاع أو خطأ الراوي، وأشدها ما كان بكذبه، ويقال أيضاً: الضعف نوعان: ضعف يمكن جبره، وضعف لا ينجبر، على ما يأتي بيانه؛ وعليه فتندرج تحته ألقاب كثيرة منقسمة في الجملة إلى قسمين بحسب ما يعود إليه سبب الضعف:

الأول: ما يرجع إلى عدم الاتصال، كالمنقطع والمعضل والمرسل والمدلَّس.

الثاني: ما يرجع إلى الجرح القادح في الراوي، كالمجهول واللين والمقلوب والمدرج والمضطرب والمنكر.

وليس يخلو حديث ضعيف من أن يكون معللاً بواحد من هذه الأوصاف، وهي منبئة عن تفاوت الضعف، بين الضعف اليسير المحتمل، والشديد الذي لا ينجبر، وإطلاق لقب "حديث ضعيف" صالح أن يكون لأي من السببين.

بيان ألقاب الحديث الضعيف الذي يرجع إلى عدم الاتصال

أولا: الحديث المنقطع

المنقطع في اللغة: اسم فاعل من الانقطاع ضد الاتصال، وفي الاصطلاح: الحديث الذي سقط من رواته راوٍ واحد قبل الصحابي في موضع واحد، أو مواضع متعددة، بحيث لا يزيد الساقط في كل منها عن واحد، وأن لا يكون السقط في أول السند.

قال الخطيب البغدادي: "وأكثر ما يوصف بالانقطاع ما رواه من دون التابعي عن الصحابة؛ مثل: مالك عن ابن عمر ونحوه"، فمالك لم يلق أحدا من الصحابة، وإنما روى عمن دونهم، فروايته عن ابن عمر بالواسطة، فهذا منقطع لسقوط راوٍ واحد من السند.

والحاصل أن معناه اللغوي يستوعب ما ليس باتصال مطلقا، في أي محل كان ذلك في الإسناد، لكنه كلقب خاص في هذا العلم، ينحصر في صورتين:

الصورة الأولى: حديث الراوي عمن لم يسمع منه، في أي موضع في الإسناد دون الصحابي، ويقع في محل أو أكثر.

الصورة الثانية: أن يكون بدل السقط إبهام لراو، كأن يقال: (عن رجل) أو (عن شيخ)، فهذا وإن ذكر كواسطة، إلا أنها لإبهامها أشبهت الانقطاع؛ للتساوي في جهالة الراوي عيناً وحالاً، وصح اندراجها تحت مسمى "المنقطع" عند المحققين.

ثانيا: الحديث المعضل

المُعضَل في اللغة: اسم مفعول من أعضله، بمعنى أعياه، وفي الاصطلاح: الحديث الذي سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي، سواء كان السقط في أوله أو وسطه أو منتهاه، ومن المحدثين من استثنى ما إذا كان السقط في أول السند، فجعله خاصا بالمعلق، وهذا قول المحققين.

ولم يكن إطلاق هذا الوصف "الحديث المعضل" بهذا المعنى شائعاً عند المتقدمين، وإنما كان هذا عندهم مندرجاً تحت المنقطع أو المرسل بعموم معناهما، وقد استعمل المتقدمون "المعضل" وصفاً للمنكر والموضوع من الحديث، لكن المتأخرين اعتمدوه لكل ما سقط من إسناده راويان فأكثر على التوالي.

ويُعرف الإعضال في الإسناد بالتاريخ، وذلك ببعد طبقة الراوي عن طبقة شيخه، بحيث إنه لو روى حديثاً من طريق ذلك الشيخ كان بينهما راويان على أقل تقدير، ويعرف أيضا بسبر طرق الحديث، لكن ثبوت الإعضال بهذا الطريق قليل نادر.

ثالثا: الحديث المرسل

المرسل في اللغة: اسم مفعول من أرسل بمعنى أطلق، فكأن المرسِل أطلق الإسناد ولم يقيّده براوٍ معروف، وفي الاصطلاح: الحديث الذي يرفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لا يذكر له إسناداً بذلك.

ويثبت كون الحديث مرسلاً بمجرد أن يُعلم أن الذي حدث به عن النبي صلى الله عليه وسلم تابعي، وتمييز التابعين من غيرهم يعرف من كتب رجال الحديث.

رابعا: الحديث المدلّس

التدليس في اللغة: مشتق من الدّلَس وهو الظلمة والستر، فاختلاط الظلام بالنور دَلَس، وكتمان وستر عيب السلعة في البيع تدليس، وفي الاصطلاح: إخفاء عيب في الإسناد وتحسينٌ لظاهره، ويطلق على رواية الراوي عن شيخه الذي سمع منه ما لم يسمع منه، أو: أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثاً، فيغير اسمه أو كنيته أو نسبه أو حاله المشهور من أمره لئلا يُعرف.

والتدليس نوع من أنواع السقط الخفيُّ، وذلك لا يدركه إلا الأئمة الحُذاق المطّلعون على طرق الحديث وعلل الأسانيد.

ويعرف الحديث المدلّس بأحد أمرين: أولهما: أن يبادر المدلِّسُ فيبيّنُ من نفسه ما دلَّسَهُ لئلا يغتر به الناس أو يبيّن ذلك إذا ما سئل عن سماعه، وثانيهما: أن ينص على ذلك إمام من أئمة الشأن بناء على معرفته ذلك من البحث والتتبع.

خامسا: الحديث المعلق

المعلّق في اللغة: اسم مفعول من علّق الشيء بالشيء، أي ناطه وربطه به وجعله معلقا، وفي الاصطلاح: الحديث الذي حُذف من مبدأ إسناده راوٍ فأكثر على التوالي، ولو أتى على إسناده كله.

وسبب تسميته بذلك: كونه متصلا من الجهة العليا فقط ومنقطعا من الجهة الدنيا، فصار كالشيء المعلّق بالسقف ونحوه.

ولا يقتصر الوصف بالمعلّق على الحديث المرفوع فحسب، بل يتعداه إلى الموقوف والمقطوع، إذا سقط من أول إسنادهما راوٍ فأكثر على التوالي.

وسوف نأتي على بيان ألقاب الحديث الضعيف الذي يرجع سببه إلى: الجرح القادح في الراوي، في موضوع لاحق بإذن الله تعالى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة