الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وأسمع ما لا تسمعون

وأسمع ما لا تسمعون

وأسمع ما لا تسمعون

اختص الله ـ تبارك وتعالى ـ عبده ورسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفا وتكريما له، مما يدل على جليل قدره وشرف منزلته عند ربه، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج:75).. كما أعدّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبيّه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ إعدادًا خاصًّا يُتيح له تلقّي الوحي من جبريل ـ عليه السّلام ـ، ورؤيته والسّماع منه، وما يتّبعه من رؤية وسماع ما سواه من الغيبيّات، كالملائكة والجنّ والشّياطين، أو سماعه لعذاب القبر ونحوه، فكان من الطبيعي أن يسمَع النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ما لا يسمعه غيره، أو يبصر ما لا يبصره سواه، وقد دلّت الأحاديث الصّحيحة على ذلك .

عن زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينما النّبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حائط لبني النّجّار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟، فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟، قال: ماتوا في الإشراك، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنّ هذه الأمّة تبتلى في قبورها، فلولا ألا تدافنوا لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الّذي أسمع ) رواه مسلم .

وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنّي أرَى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السّماء وحُقّ لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ ومَلَكٌ واضع جبهته ساجدًا لله، والله لو تعلمون ما أعْلَمُ لضَحِكْتُم قليلاً، ولبكيتُم كثيرًا، وما تلَذَذْتُم بالنّساء على الفُرش، ولخرجتُم إلى الصّعدات تجأرون إلى الله ) رواه أحمد .

وحديث القبرين اللذين أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن عذاب صاحبيهما حديث أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ، قال: ( مرَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحائط من حيطان المدينة ـ أو مكة ـ فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا ) .
فهذه الأحاديث تفيد سماع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعذاب القبر، وأن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كانوا يمشون معه وقد مروا على تلك القبور التي تُعَّذَّب، ومع ذلك لم يسمعوا ما سمعه النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وهذا دليل واضح على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسمع ما لا يسمعه غيره .

فائدة :

يقول الشيخ الألباني: " النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يسمع ما لا يسمع الناس, وهذا من خصوصياته ـ عليه الصلاة والسلام ـ , كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه، والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه, فقد ثبت في البخاري وغيره أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال يوماً لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( هذا جبريل يقرئك السلام, فقالت: وعليه السلام يا رسول الله، ترى ما لا نرى ) . ولكن خصوصياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما تثبت بالنص الصحيح, فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء, والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض, فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة, إما لأنها غير متواترة بزعمه, وإما لأنها غير معقولة لديه .. ومنهم من يثبت له ـ عليه السلام ـ ما لم يثبت, مثل قولهم : إنه أول المخلوقات, وإنه كان لا ظل له في الأرض، وأنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه, بينما إذا داس على الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل .

والقول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بَشَر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة, فلا يجوز أن يُعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صَحَّ به النص في الكتاب والسنة, فإذا ثبت ذلك, وجب التسليم له, ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية زعموا .. ومن المؤسف أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترِد من بعض الناس, حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين, فهم يأخذون منها ما شاؤوا , ويدعون ما شاؤوا " .

إن من دلائل النبوة ما يؤتيه الله أنبياءه من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر، وفي ذلك تكريم لهم من الله، ودليل على صدق دعواهم أنهم رسل الله، قال الله تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ }(الحديد: الآية25) . ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من المعجزات والخصوصيات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، ومنها رؤيته وسماعه ما لا يراه ويسمعه غيره من الناس، وقد أُلِّفت في معجزاته وخصوصياته المؤلفات الكثيرة، وتناولها العلماء بالشرح والبيان ..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة