الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحب في البيت النبوي

الحب في البيت النبوي

الحب في البيت النبوي

العاطفة والحب، والمودة والرحمة بين الزوجين دعامة أساسية لاستمرار الحياة الزوجية ونجاحها، وهذا الأمر واضح وجلي في حياة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومع كثرة أعباء الرسالة والدعوة والدولة فقد كان صلى الله عليه وسلم زوجاً محباً، جميل العشرة، دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم.

لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته عائشة رضي الله عنها في حجرة لا تتجاوز مساحتها خطوات معدودات، وكان يمر عليهما شهران ولا يوقد في بيتهما نارٌ، ومع ذلك أشعَّ بين جدران هذه الحجرة الحبّ في أعلى وأطهر صورِه، والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبر ويفصح عنه دون حرج، فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله! من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها) رواه البخاري.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (أرسل أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاطمة بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فاستأذنت عليه وهو مضطجع في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، ـوأنا ساكتةـ قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي بنية، ألست تحبين ما أحب؟، فقالت: بلى، قال: فأحبي هذه) رواه مسلم. ولذلك كان مسروق رحمه الله إذا روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قال: "عن الصدِّيقة بنت الصدِّيق، حبيبة رسول رب العالمين".

ولما خيَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءه في البقاء معه، امتثالاً لأمر الله تعالى: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب:28-29)، بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعائشة ـ رضي الله عنها ـ كما في حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: (فبدأ بعائشةَ فقال: يا عائشة! إني أريدُ أن أعرضَ عليكِ أمرًا أُحبُّ أن لا تَعجلي فيه حتى تستشيري أبويْك، قالت: وما هو يا رسول الله؟!، فتلا عليها الآيةَ، قالت: أفيك يا رسول الله استشيرُ أبوي؟، بل أختارُ اللهَ ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تُخْبِر امرأةً من نسائك بالذي قلت، قال: لا تسألْنِي امرأةٌ منهن إلا أخبرتُها، إن الله لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا ميسِّرًا) رواه مسلم.

ومع كثرة أعبائه ومسئولياته صلى الله عليه وسلم كان يلاطف عائشة رضي الله عنها، ويداعبها ويمازحها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنتُ أتَعرقُ العظم (آكل منه بأسناني) وأنا حائض وأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فَمَهُ في الموضع الذي فيه وَضعتُهُ، وأشرب الشراب فأنَاوِلَهُ، فيضع فمه فِي الموضع الذي كنتُ أشرب منه) رواه مسلم. وروى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي اللَّه عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يا عائش! هذا جبريل، يقرأ عليك السلام، قالت: وعليه السلام ورحمة اللَّه وبركاته). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء بيني وبينه، فيبادرني حتى أقول: دعْ (أترك) لي، دع لي) رواه مسلم، وهو ما يوحي بجو المرح والمداعبة.

وروى أبو داود في سننه عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وهي جارية، فقال لأصحابه: (تقدموا، فتقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعد خرجت معه في سفر فقال لأصحابه: تقدموا، ثم قال: تعالي أسابقك، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم (زاد وزني) فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال؟! فقال: لتفعلن، فسابقته فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة) رواه أبو داود.

وفي مرضه - صلى الله عليه وسلم - الذي مات فيه، كان من حبه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لعائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان يسأل نساءه: (أين أنا غدًا؟)، ففهمن أنه يريد يوم عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وكان أول ما بدأ مرضه في بيت ميمونة رضي الله عنها. عن عائشة رضي الله عنها قالت: (إن من نعم الله علىَّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي في بيتي وفي يومي وبين سَحْرِي ونَحْرِي (على صدري)، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته، دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده السواك، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته فاشتد عليه، وقلت: ألينه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلينته فأمرَّه (استاك به) رواه البخاري .

فائدة : الحب لا ينسي العدل:

المحبة بين الزوج وزوجته لا تسوغ الظلم، أو التهاون في أمر الله والحيدة عن الحق، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تحمله محبة عائشة رضي الله عنها على الجَوْر في القسمة بينها وبين سائر أزواجه، فكان شديد العدل بينهن في كل صغيرة وكبيرة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (يا ابن أختي! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسْم من مكثه عندنا) رواه أبو داود، وفي رواية أخرى كان يقول: (اللَّهمَّ هذا فِعْلي فيما أملِكُ، فلا تَلُمني فيما تملك ولا أملك) رواه النسائي، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تلمني فيما تملك ولا أملك) أي الحب والمودة القلبية. قال النووي: "أي: في محبة القلب". وقال أبو بكر الخرائطي: "يريد النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه يطيق العدلَ بينهن في النفقة عليهن والقسمة بينهن، ولا يطيق العدل بينهن في المحبة". وعن أبي هريرة رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل) رواه النسائي. وذات يوم غارتْ عائشة رضي الله عنها من ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة رضي الله عنها فقالت: (ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق (كبيرة السن)، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرًا منها، فقال: صلى الله عليه وسلم: ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنتْ بي إذ كفر بي الناس، وصدَّقتْني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها) رواه أحمد.

لقد كان الحب في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجه الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها شمساً ترسل أشعتها في حياة كل الأزواج، كي يستضيئوا بضيائها، ولنا في البيت النبوي الأسوة والقدوة، قال الله تعالى : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة