الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد -دليل العناية الربانية به-

  • الكاتب:
  • التصنيف:تعزيز اليقين

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد -دليل العناية الربانية به-

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد -دليل العناية الربانية به-

كثرت الدعوات، وتعدّدت ادعاءاتُ النبوّة، وزادتِ الأديان والفلسفات، فوقف الحائر بينها على غير هدىً يتّبعه، وعلى غيرِ سبيلٍ ينقذه، في ظلِّ غياب المنهج السليم عن كثيرين، والمنطق القويم عن الحيارى التائهين .

ونحنُ نهدفُ من خلال هذه السلسة المباركة من المقالات، أن نأخذ بأيدي هؤلاء إلى برّ الأمان؛ لنُسهم في زيادة اليقين في نفوس الذين آمنوا، { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} ( مريم : 76 ).
فنقول في بيان ذلك وبالله التوفيق :

أن الأدلة على نبوة الرسول – صلى الله عليه وسلم – تعدّدت وتنوّعت، وهي بكثرتها تحتاج المجلّدات الطوال، والتواليف العظام، لتفصيلها، وإعطائها حقّها . ومن ذلك دليل عصمته – صلى الله عليه وسلم – ممن أرادوا قتله وأذيّته، مصداقاً لقول الله عز وجل :{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين } (المائدة : 67 ).

لقد ثبت عقلاً أن لكلِّ دعوةٍ أعداء، ومتربّصون ينتظرون فرصة الإيقاع بالدّاعية، من سجنه إلى قتله، كما هو حال مصلحين كثيرين، فما بالك بالأنبياء والصالحين، فضلاً عمّن دونهم من مدّعوي النبوة الأفّاكين؟

فهذا مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوة، فقُتل أثناء حروب الردة في عهد أبي بكرٍ، دون أن يُكمل دعوته، أو يحفظه ربّه .

وهذا ميرزا غلام القادياني، مؤسس الطائفة القاديانية ومدّعي النبوة، أهلكه الله بمرض الكوليرا، قبل أن ُيكمل دعوته الباطلة.

وعندنا مصلحٌ نصرانيٌّ وكاردينالٌ إيطالي، اسمه: Giovanni Battista Zeno، عاداه قومه فقتلوه. وتلك Dorothy Stang مصلحةٌ نصرانيةٌ مقتولة، وهذا مارثن لوثر كينغ Martin Luther Kin أيضاً قُتل، وغيرهم من أصحاب الأفكار والدعاوى، عادهم النّاس فأحبطوا مسيرتهم، ونالوا أغراضهم .

فماذا أنتَ قائلٌ في نبيّ الله محمد – صلى الله عليه وسلّم – الذي عاده العرب والعجم، وتكالبت عليه الأمم، فتعهّد الله بحفظه من فوق سبع سماوات، فرُوي أنه بعدما أنزل الله آية الحفظ، أخرج رأسه من القبّة وقال لحرّاسه : ( يا أيها الناس، انصرفوا، فقد عصمني ربي. فلم يقدر أحدٌ أن يُصيبَ منه مقتلاً مع حرصهم على ذلك ) (1).

وهنا نسأل العقلاء، أليس في إعفاءه – صلى الله عليه وسلم – لحرسه، لآية من آيات نبوته ؟ فعقلاً فمنطقاً: النبي الكذوب يعرف في قرارة نفسه أنه يفتري على الخالق، ويعلم أن النّاس تتربّص به من كل حدبٍ وصوبٍ، فكان الأولى بأن يبقيَ على حرسه بدلاً من أن يبقى بين الناس دونهم .

فإن كان القرآن مفترىً من النبي – صلى الله عليه وسلم – وحاشاه، لن يخبر الناس بهذه الآية، ولما وجدتَها في القرآن متلوّةً إلى قيام الساعة، لأنه لا أحد يعلم الغيب، وإن قُتل مستقبلاً فذاك يهدد دعوته جملةً وتفصيلاً، ولكفر النّاس بتلك الآية، بل بالقرآن كلّه.

إن النبي الكاذب، سيتردّد في قرار إعفاء حرسه، وسيتذرّع بشتَّى الذرائع ليُبْقِيهم، لكن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- بمجرد أن نزلت الآية اتخذ القرار بدون رجعةٍ، وتردد.

فبان لكل ذي لبٍّ أن فعله هذا لوحده، دالٌّ على صدقه – صلى الله عليه وسلم -، وأنّه يتلقّى الوحي من الخبير العليم الحافظ لعبده .

فتأمَّل أيها اللبيب هذه، ثم ارجع وتأمّل أن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – قد نجّاه الله من عمليات اغتيالٍ تفوق العشر! وإليكَ بيان بعضها :

محاولة شيبة بن عثمان بن أبي طلحة – رضي الله عنه – قبل إسلامه :
شيبةٌ أراد أن ينتقمَ لأبيه الذي قُتل في غزوة أُحدٍ، فخرج كافراً مدسوساً يتربّص بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة حُنينٍ، فيحدّثنا الزبير ويقول : ( فرأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غرّةً يوم حنين، فأقبل يريده فرآه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال : يا شيبة هلمّ لك . فقذف الله في قلبه الرعب، ودنا من رسول الله – صلى الله عليه وسلم- فوضع يده على صدره ثم قال : أخسِ عنكَ الشيطان، فأخذه إفكل – أي رعدةٌ وفزع – وقذف الله في قلبه الإيمان، فقاتل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم ) (2).

يقول شيبةٌ : " فما رفع النبي – صلى الله عليه وسلم- يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إليَّ منه " (3) .

فتأمّل معي هذه العناية الربّانية، وكيف أن شيبةَ أقبل يريد قتل النبيّ فارتعدت فرائسه وفقدَ سيطرته على نفسه، وكيف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لما رآه عازماً على قتله ورأى حالته، لم يفزع إلى الصحابة ويُخبرهم بأمره، بل قرّبه إليه ومسح على صدره فكانت تلك معجزةً بحق عايشها شيبةٌ رضي الله عنه.

محاولة اجتماع العرب على قتله ليلة الهجرة :
وهي من أشهر الروايات الصحيحة التي يعرفها صغار المسلمين قبل كبارهم، وكيف أن كفّار قريشٍ اجتمعوا في دار الندوة، وبدؤوا يتدارسون مخطّطاً يقضي بقتله – صلى الله عليه وسلم- أثناء نومه وقبل خروجه مهاجراً، فحضر الاجتماع ممثلون من كل قبيلة شملت : بنو عبد شمس، بنو نوفل بن عبد مناف، بنو عبد الدار، بنو أسد، بنو مخزوم، بنو سهم، وبنو جمح.

وكانت هذه القبائل من كبار العائلات العربية المعروفة بالقوة والعصبية والحمية، فكان ما أجمعوا عليه أن يعيّنوا من كل قومٍ شابًّا قويّا فيدخلون عليه فيضربونه ضربة رجلٍ واحدٍ، فيتفرق دمه على العشائر، فلا يستطيع أهله قتالهم جميعاً.

فأعلمَ الله تعالى نبيّه بما كيد له، وأمره بعدم المبيت في فراشه هذه الليلة، فنام عليٌّ رضي الله عنه مكانه، بعد أن طمأنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأنه لن يقع له شيء بأمر الله، واجتمع القوم أمام باب داره ينتظرون نومه، فخرج عليهم وهم لا يرونَه بتقدير الله وأمره، فوضع على رأس كل واحدٍ منهم بعض التراب، وانصرف إلى حيث أراد يذهب (4).

محاولة الحكم بن أبي العاص :
يقول الحَكَم : " تواعدنا أن نقتل محمداً حتى جئناه، فلما رأيناه – واقفاً يصلي – سمعنا صوتاً خلفنا ما ظننا أنه بقي بتهامة أحد – أي من شدة الصوت ظنوا أن كل الناس قد هلكت - . فوقعنا مغشيّاً علينا حتى قضى صلاته، ورجع إلى أهله"(5).

ففي هذه المواقف وغيرها، نرى كيف حفظ الله عزّ وجلَّ نبيه حين غفلةٍ وأثناء الصلاة، وإنها لخيرُ دليلٍ على نبوة النبي – صلى الله عليه وسلم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

هوامش المقال
1- انظر كتاب الشفا للقاضي عياض، ص : 489.
2- تهذيب الكمال، للمزي، المجلد 11 الصفحة 24.
3- تاريخ دمشق الجزء 11، الصفحة 9 .
4- انظر إلى تفاصيل القصة في سيرة ابن هشام : الجزء الثاني، ص : 134، و كتاب زاد المعاد الجزء الثاني ص : 52، وكذا البداية والنهاية الجزء 3 ص : 217.
5- الشفا للقاضي عياض، ص : 493.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة