الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (إخباره بالغيبي المستقبلي)

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (إخباره بالغيبي المستقبلي)

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (إخباره بالغيبي المستقبلي)

الغيب هو أحد الأسرار الإلهية، التي لا يطّلع عليه إلا هو سبحانه تعالى، ولا سبيل لبشرٍ إليه إلا أن يطلعه الله تعالى به، وهي من الدلائل الظاهرة التي يُعرف بها النبيّ من عدمه، ومن الآيات التي يظهرها الله لعبده ليتبيّن النّاس حجج رسالته، وصدقها .

والإسلام زاخرٌ بهذا النّوع من الأدلّة، سواءٌ في القرآن والسنّة، منه ما تحقق في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومنه ما وقع بعد وفاته، إلى زماننا هذا، ومنه ما سيظهر مستقبلاً إن شاء الله تعالى.

ونحن إذ سنضربُ مثالاً من هذا، إنما نُسهّل المهمّة للباحثين عن الحق، حتى يجدوا ضالّتهم، ويستزيد به المؤمنون إيمانا:

الإخبار بغلبة الروم :
يقول الله تعالى : { ألم غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء } ( الروم : 1-6).

وهذه الآيات البينات، قد تضمّنت أخبار معركةٍ تاريخيّةٍ بين ملك الفرس " سابور " وملك الروم " هرقل "، حيث أنبأ الله تعالى المؤمنين بنتيجة المعركة وبشّر أن الروم سينتصرون في النّهاية، وذلك لأن الروم من أهل الكتاب، في حين أن الفرس كانوا أهل وثنيّة، وكان من صالح المسلمين أن ينتصر الروم لأن نصر الفرس قد يجر عوناً ودعماً لوثنيّي قريش، وقد تحقّق النّصر الموعود كما أخبرت الآية -1-.

وعده للمؤمنين بالتمكين في الأرض :
قد وعد الله تعالى المؤمنين بالنصر والتمكين على كفار قريش، وذلك في سورة النور حين قال : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا } ( النور : 55 ).

وقد حصل هذا التمكين في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ودخل المسلمون مكّة وهدموا الأصنام، وقضوا على الشرك في الجزيرة العربية، وعاشوا في أمن، لا يخافون على دينهم، وأصبحوا سادة القوم وملوكه .

ومنه قول الله تعالى لرسوله في القرآن : { قل للذين كفروا ستُغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد } (آل عمران : 12).

وعده بهزيمة المشركين في معركة بدر :
يقول الله تعالى : { أم يقولون نحن جميع منتصر * سيهزم الجمع ويولون الدبر } ( القمر : 44 -45).

يقول الإمام الألوسي : " والآية من دلائل النبوة، لأن الآية مكية، وقد نزلت حيث لم يفرض جهاد، ولا كان قتال، ولذا قال عمر يوم نزلت: أي جمع يهزم، أي: من جموع الكفار. فلما كان يوم بدر، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يثب فى الدرع وهو يقول { سيهزم الجمع ويولون الدبر } فعرفت تأويلها يومئذ " -2-

فانظر لهذا التقرير من النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر، حينما أخبر صحابته بأن تحقق الآية ستكون يوم بدرٍ، وهي آيات من الآيات على صدق الرسول الكريم، التي لا ينكرها إلا جاحدٌ مكابر .

إخباره بأن أبا لهب سيموت على الكفر هو وزوجته :
وذلك في قوله سبحانه : { تبّت يدا أبي لهب وتبّ * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد } ( سورة المسد)

وكان يكفي أبا لهب وزوجته أن يعلنا إسلامهما كذباً، حتى ينقضوا النبوءة، لكن هيهات فالمخبر هو الله تعالى، العلام للغيوب، والذي يعلم سبحانه أن أبا لهب وزوجه لن يخطرا في بالهما هذا الشيء.

وعده بحفظ القرآن :
وذلك في قوله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ( الحجر : 9) .

وتتوالى الأجيال إلى يومنا هذا، والقرآن كما أنزله الله تعالى على نبيّه، لا نرى فيه اختلافاً ولا تحريفا، سواء في المخطوطات القديمة، أو كتب أهل العلم والسنة، وغيرها .

حيث بيّن النبي صلى الله عليه وسلم، الناسخ من المنسوخ، وتوارث المسلمون القرآن جيلا بعد جيل، كما عُرض على النبي في العرضة الأخيرة .

الإخبار بفتح قبرص والقسطنطينية :
وذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : ( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا. – أي وجبت لهم الجنة- قالت أم حرام : قلت يا رسول الله أنا فيهم. قال أنت فيهم. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا ) رواه البخاري.

وأم حرام رضي الله عنها قد شهدت الغزوة الأولى مع معاوية رضي الله عنه في عهد إمارة عثمان رضي الله عنه، حين فتح قبرص. يقول ابن كثير : " وقد كان يزيد أول من غزى مدينة قسطنطينية فى سنة تسعٍ وأربعين ... وقد ثبت فى الحديث أن رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم قال أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور لـهم، وهو الجيش الثاني الذى رآه رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم فى منامه عند أم حرام ،فقالت ادع اللـه أن يجعلنى منهم ،فقال أنت من الأولين يعني جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها فى سنة سبع وعشرين أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه وكانت معهم أم حرام رضي الله عنها، فماتت هنالك بقبرص ثم كان أمير الجيش الثانى ابنه يزيد بن معاوية ولم تدرك أم حرام جيش يزيد هذا وهذا من أعظم دلائل النبوة. " -3-

وإخباره صلى الله عليه وسلم بهذا من أعظم أدلة النبوة، فإخباره بفتح مدينتين، وأن أم حرامٍ لن تموت إلا وستكون مشاركة في الغزوة الأولى، وأن أجلها سينقضي ولن تحضر الغزوة الثانية، وهذه لوحدها تكفيك أيها المتشكّك .

الإخبار بفتح جزيرة العرب، وفارس، والروم :
وذلك ما رواه مسلمٌ في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله، ثم فارس فيفتحها الله، ثم تغزون الروم فيفتحها الله .. ).

وكل ذلك تحقق بعد موت النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان للمسلمين معارك تاريخية كبرى رواها أهل التأريخ .

وهناك نبوءاتٌ أخرى كثيرةٌ سنتطرق لها في الجزء الثاني من المقال. وما يهمّنا هو أن تقف أيها الحائر قليلا أمام ما كُتب آنفاً، وتراجع موقفك وتنفض غبار الشكّ عنك، تكن إن شاء الله من المبصرين.

أبو عبد الرحمن الإدريسي.


هوامش المقال
1- راجع وصف المعركة وتفاصيلها في كتاب " التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق " للبطريك أفتيشيوس .
2- راجع تفسير الألوسي للآية .
3- البداية والنهاية، لابن كثير، المجلد 8، ص : 226.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة