الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحاديث الكحل للحادة

أحاديث الكحل للحادة

أحاديث الكحل للحادة

من محاسن الشريعة رعاية الحقوق ولو صار أصحابها في عداد الموتى؛ وفاء لحقهم وحفظا لعهدهم، فالمعتدة على زوجها الميت تلزم بيته وتمتنع عن مظاهر الزينة حدادا عليه أربعة أشهر وعشرا، وشريعة فيها هذا الصون لحق الأموات فكيف بالأحياء، فلم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ميل كحل تضعه المرأة الحادَّة على عينها مع خشية الضرر وللعلماء نقاشات في ذلك.

فقد بوَّب البخاري باب الكحل للحادَّة وأورد حديث أم سلمة أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينيها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال: «لا تكحل قد كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر».

ففي هذا الحديث النهي عن استعمال الكحل للمرأة حال الإحداد حتى في حال الضرورة ففي بعض روايات الحديث «إن ابنتي تشتكي عينها أفأكحلها فإني أخشى أن تنفقئ عينها قال: وإن انفقأت».

ولذلك فإن الأئمة الأربعة على خلافه، فهل ثبت ما يخالفه فنسخ به؟ أم يمكن الجمع بينه وبين حديث الترخيص في الكحل للحادة حالة الضرورة؟
قال النووي: فيه دليل على تحريم الاكتحال على الحادة سواء احتاجت إليه أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره «اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار».

ووجه الجمع أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل ، وإذا احتاجت لم يجز بالنهار، ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإن فعلت مسحته بالنهار أ.هـ

روى أبو داود عن المغيرة بن الضحاك يقول: أخبرتني أم حكيم بنت أسيد عن أمها: أن زوجها توفي فكانت تشتكي فتكتحل بكحل الجلاء فأرسلت مولاة لها إلى أم سلمة فسألتها عن كحل الجلاء فقالت: لا تكتحلي إلا من أمر لا بد منه يشتد عليك فتكتحل بالليل وتمسحه بالنهار ثم قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي أبو سلمة وقد جعلت على عيني صبرا فقال: «ما هذا يا أم سلمة»؟ قالت: يا رسول الله إنما هو صبر ليس فيه طيب قال: «إنه يشب الوجه ولا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار».

قال ابن عبد البر: وهذا عندي وإن كان مخالفا لحديثها الآخر الناهي عن الكحل مع الخوف على العين إلا أنه يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وسلم عرف من الحالة التي نهاها أن حاجتها إلى الكحل خفيفة غير ضرورية والإباحة في الليل لدفع الضرر بذلك أ.هـ

وذهب الطحاوي إلى القول بالنسخ؛ ذلك أن العلماء لا يقولون بخلاف النص المتواتر إلا لأنه ثبت لهم نسخه، ومن ثم وجه حديث أم سلمة الذي فيه الترخص في الكحل لما لا بد منه فقال: وقد سمعتْ أمُّ سلمة من النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف، فاستحال أن يكون ذلك منها إلا وقد علمت بنسخه من قِبَله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها رضي الله عنها مأمونة على ما قالت كما كانت مأمونة على ما روت والله سبحانه وتعالى نسأله التوفيق أ.هـ

ونقل الحافظ ابن حجر مجموعة من الأجوبة عن حديث النهي فقال: وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ونحوه، وقد أخرج بن أبي شيبة عن صفية بنت أبي عبيد «أنها أحدت على ابن عمر فلم تكتحل حتى كادت عيناها تزيغان فكانت تقطر فيهما الصبر».

ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به؛ لأن محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة