الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إغواء الأبرياء

إغواء الأبرياء

إغواء الأبرياء

ليس غريباً أن يكون هذا العنوان وصفاً لما تمارسه قنوات الرذيلة ممسوخة الفكر والهوية - والتي يمولها بعض من عبدة الدرهم والدينار، الذين يحاربون الله على رؤوس الأشهاد بنعمه وبفضله وحلمه عليهم.

الغريب أيها القارئ الكريم أن يكون عنوان المقال هذا هو نفسه عنوانا لكتاب كتبه فردريك فيرثام (عالم النفس الأمريكي).. ومتى؟ قبل حوالي خمسين سنة، قائلاً فيما اشتهر من هذا الكتاب: " كلما وقع نظري على كتب العنف والجنس المصورة للأطفال، وهي في يد صبي في السابعة من عمره، وكأنما عيناه ملتصقتان بغراء على الصفحة المطبوعة، أشعر وكأني أبله حين أطالب بأن آتي بالدليل على أن مثل هذا مدمر لعقول هؤلاء الأطفال".

وإذا ما قارنا هذا القول لفردريك بما يعيشه أبناء المسلمين اليوم مع قنوات التسول الخلقي الغربي والعربي لوجدنا أن من يطالب بالدليل على أن ما يبث فيها مدمر لعقول وأرواح أبناء الأمة (مجنون) وليس أبله - كما يقول العالم الأمريكي - للأسباب التالية:

أ- أن فردريك يتحدث عن مجتمع كافر، قال عنه - تعالى -: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ}(محمد:12)، فإذا كان هذا حالهم في الدنيا والآخرة؛ ثم هم يعدون صورة ثابتة لا حركة فيها مدمرة لعقول أبنائهم؛ فكيف يكون تدميرها على عقول أبنائنا الذين تتناقض هذه القنوات مع المصادر التي نشؤوا وهم يستقون منها معلوماتهم، وأسلوب حياتهم وطريقة تفكيرهم؟ فهل يقول عاقل بأنها ليست مدمرة؟!

ب- أن فردريك يتحدث عن تدميرها لعقول الأطفال، ونحن أمام ظاهرة تستهدف قوة الأمة ومخزونها الاستراتيجي وهم الشباب، مستغلة الاستعداد الفطري الغريزي لديهم فهو سلوك لا يمكن التحكم فيه متى ما أثير إلا من رحم الله، فهل يقول عاقل بأنها ليست مدمرة؟!

ج- أن فردريك الذي يخاف على الأطفال في بلاده يتحدث عن لحظات أو دقائق من التعرض، أما نحن فنخشى والله على شبابنا وأبناء أمتنا المكلومة؛ لأن القائمين على هذه الرذيلة يضربون على أوتار نفسية وتركيبة شخصية قد أصابت شباب المسلمين، وهي: الفراغ، والبطالة، والعنوسة، وتأخير الزواج، وارتفاع تكاليفه، وتفشي ظاهرة خروج النساء، وتسيب الرجال في القوامة الشرعية، وتنامي السفر إلى الخارج، والأخطر من ذلك كله غياب مكانة العلماء أو تغييبها من حياة كثير من الناس، وتشويه صورة الناصحين المخلصين وربطها بحال بعض الغلاة، كل ذلك أتاح لمروجي القذارات أن يجدوا من يتعاطى سمومهم، فهل يقول عاقل بأنها ليست مدمرة؟!

د- أن التدمير العقلي الذي يعنيه فردريك هو أن يوجه هذا الطفل اتجاهاً يسير فيه بقية حياته فيخسره أهله وأمته، أما نحن فنخشى على أبناء أمتنا أن يمتد هذا الخسران إلى آخرتهم {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}(لقمان: 6، 7).
وخسارة الآخرة هي الخسران الحقيقي، فهل يقول عاقل بأنها ليست مدمرة؟!

أعتقد أن استمرار هذه القذارات التي تمطر المسلمين ليل نهار سيصيب العقلاء بشلل في التفكير (وهذا ما لا نرجوه) وعجز في المواجهة، خاصة عندما يسمعون أو يشاهدون تهافت إخوانهم وذويهم وأحبتهم على هذه الإثارة الجماعية والاستثارة العاطفية والمفاهيم المنكوسة والواقع البهيمي، وعندها سيكثر الغافلون من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة