الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حذار حذار من سهام الشبهات

حذار حذار من سهام الشبهات

حذار حذار من سهام الشبهات

رأيت في هذا العالم الإفتراضي كفرة ملحدين هم إخوان الشياطين، ورأيت هداة مهتدين يدافعونهم بقبس من نور الكتاب، فلا يكاد يثبت لهم أحد. لكني رأيت بين أولاء وأولئك إخوانا لنا حيارى تائهين، يحبون الإسلام فهم بنوه وأهله، لكن ينقصهم فقهه ويعيبهم جهله. يغضبون له حين يتنقصه الزنادقة، ويتميزون غيضا كلما ولجوا موقعا من مواقع الضلال، دون أن يشعروا بالخطر المحدق الذي يترصدهم.

هؤلاء أريد بكلامي، وأرجو أن يكون له صدى خصوصا عند من لم يقع بعد منهم في الشبكة، وما زال يرد موارد الشبهات، وهو لا يعلم أن القوم في رحلة صيد وأنه هو الطريدة، فتراه غافلا ينظر إلى الطعم يستصغره، وإلى الورم الخبيث يستسمنه، لهؤلاء جميعا أقول تمهلوا قبل أن تندموا. واعلموا أن ليس لعبد ضمان بدوام الإيمان، بل القلوب بيد الرحمن يقلبها كيف يشاء. احذروا سهام الشبهات.

أيها الأخ المسلم، يا من تعلم في قرارة نفسك أن بضاعتك من العلم مزجاة، وأن بنيان دينك أوهى من أن يصمد أمام رياح الشبهات التي تزأر في العالم الإلكتروني كأنها أعاصير عاتية، أيها المبحر على أمواج هذه البحار المهلكة تمهل قليلا وأعرني سمعك.

لعلك دخلت يوما موقعا من المواقع التي صارت اليوم عدد الحصى، فساءتك مقالات أقوام يزدرون دينك ويسخرون من كتاب ربك وسنة نبيك، ولعلك هممت بالرد و الجواب .

وصممت على رد الصاع صاعين، ثم سرعان ما أيقنت أنك لا تعلم من أمر دينك إلا أنك تحبه وتعتز به. إنها صفعة مدوية حين تكتشف فجأة أنك لا تملك أن تدافع عن معتقدك ولا تقدر أن تنتصر له بما يخرس شياطين الإنس ويقطع ألسنتهم.

حينها نفرت وقد أخذتك الحماسة وحملتك الحمية لتتأهب للحرب، فنقرت على لوحة المفاتيح باحثا منقبا، تبحث هنا وهناك عما تفري به إفك المبطلين. إنك أشبه شيء بالجندي يخرج للمعركة دونما سلاح، حتى إذا برز له العدو التفت يمنة ويسرة يبحث عن شيء أي شيء قد يصلح سلاحا. فكيف يرتجي النصر من كانت هذه حاله؟ وما أكثر ما رأيتك بعدها تدخل مواقع الشبكة تبحث لنفسك عما تترس به من تشكيك المشككين وإلحاد الملحدين، لكنك ويا للأسف حاطب ليل يخبط خبط عشواء، يتنقل بين تفريعات الأقوال والمسائل قبل أن يحكم أساس البناء. إنك كالسباح المبتدئ يدخل البحر الخضم يرجو أن يظفر بالدر الثمين.

إنك ما تزال تدافع الشبهات بمحض فطرتك، وتذبها عنك كأنها أسراب من الذباب، حتى تحس يوما من دهرك بلسعة مؤلمة، وبوخزة سامة يسري حرها في قلبك، إنها اللحظة الفارقة، لحظة مروق سهم الشبهة ونفاذه إلى سويداء قلبك. وحتى لو كتمت تفاصيل محنتك، ولم تأت المنتدى إلا بمسألتك، فإن هنا إخوانا يعلمون لمجرد مرآك ومسمعك أنك صريع موقع إلحادي. الآن وقد نشب العدو مخالبه في قلبك أيها المسكين، تبدأ الشبهة عملها، تنفث عصارتها فيك فتسري كالسم الزعاف، تشعر كأن ظلمة تغمرك، وكأن أصواتا منكرة تهمس في أذنيك: "ماذا لو كنت مخطئا؟ هل ترضى بإسلام موروث؟ الله لا يريد منك إيمان العجائز، عليك أن تتخلص من النفاق، انغمس في البحث، لا بد من الشك المنهجي،
اطلب العلم ولو في الصين، لماذا تخاف من البحث إن كنت صاحب حق؟" إنها بداية المتاهة، فإن استسرسلت وتماديت مع هواجسك وأرخيت العنان لشبهاتك، توشك أن تنتهي على مثل حال من أنكرتهم من الملاحدة أول مرة.

إياك أن تسلك هذه الوجهة، لن تفلح في الخروج من الفلاة بلا دليل، لا بد أن تقع على الخبير، لا بد من التواضع وسؤال أهل العلم. تذكر أن ذلك السفاح القاتل لم يزل يزهق الأرواح حتى قتل مائة نفس، ألم يبلغك أن حبه للتوبة لم يغنه عن طلب العلم الموصل إليها. وكذلك حالك الآن. توقف عن رحلة التيه، توقف عن التنقل بين المواقع مكبا على وجهك، وابدأ بما دل عليه كتاب ربك: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} (محمد: 19).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة