الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجعل فيها رواسي

وجعل فيها رواسي

وجعل فيها رواسي

ذكر سبحانه في عدد من الآيات القرآنية أنه جعل الجبال في الأرض لتثبِّتها من المَيَدان والاضطراب، وتحفظها من السقوط والزوال، قال تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها} (فصلت:10) وقال سبحانه: {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم} (الأنبياء:31) وقال عز وجل: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (النحل:15) وقال سبحانه: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت} (الغاشية:17-19).

ليست الجبال التي نراها اليوم أبدية الوجود، وإنما لها عُمُر، وإن طال فهو محدود، ويمكن التصور بأن قشرة الأرض في مهدها كانت قطعاً تميد وتضطرب فوق دوامات الصهير، ومع امتدادها أفقيًّا تلاقت لتكوِّن قارة أولية، انفصلت لاحقاً إلى قطع متجاورات، وتكونت القارات، ومع إلقاء الحمم من البراكين الأولية امتدت الكتل الطافية رأسيًّا، ونشأت الجبال الأولية، ما أحدث توازن القطع الطافية، ومنعها أن تميد.

قد تنشأ جبال وتُنصب من جراء تصادم قارة بأخرى مجاورة، ومن الأمثلة الجيولوجية المعروفة نشأة جبال الهيمالايا؛ فقد كانت الهند واقعة على الحافة الجنوبية لبحر قديم، لا وجود له اليوم، بينما كانت هضبة (التبيت) تقع عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة، وقطعت الهند مسافة حوالي (1500) كم أثناء زحزحتها شمالاً باتجاه قارة آسيا إلى أن أتى وقت اختفى فيه البحر، وجاءت لحظة التصادم المحتومة، فعلت الهند، وحينئذ نصبت أعلى جبال في الأرض، وهي جبال الهيمالايا.

وترتفع قمة جبال الهيمالايا ثمانية كيلو مترات ونيف عن سطح البحر، وقد أثبت المسح الجيولوجي أن جبال الهيمالايا تمتد عميقاً لمسافة قد تزيد عن (65) كيلو متر، وهكذا يكون الجزء المختفي من الجبال تحت السطح يعادل أضعاف الجزء البارز فوق السطح، وهذا الامتداد في الأرض المماثل لامتداد الوتد، لم يعرفه بشر عند نزول القرآن الكريم بالقطع، ناهيك عن التماثل في الوظيفة كذلك؛ لأن الوتد يقوم بتثبيت الخيمة، وكذلك تقوم جذور الجبل بحفظ ثبات الكتلة الطافية فوق طبقة الدثار الملتهب للأرض.

هذا التوازن (Isostacy) الذي أبدعه الخالق سبحانه وتعالى في الأرض؛ حيث جعل الغلاف الصخري يطفو بنفس قانون الطفو للبواخر فوق غلافه اللدن الملتهب، وترسو أو تطفو القارات وقيعان البحار على وشاح الأرض كما يطفو جبل الجليد فوق الماء، وتضرب القارات جذورها في وشاح الأرض، ويلاحظ أن الجذور أسفل سلاسل الجبال أكثر عمقاً من الجذور تحت المناطق المستوية، هذا ما اكتشفه العلم، ولكن القرآن الكريم سجل ذلك قبل العلم بأكثر من ألف سنة حيث يقول الحق سبحانه: {والجبال أوتادا} (النبأ:7)، وبالتأكيد إن التعبير الوصفي {أوتادا} لا يعدله في الدقة شيء، ولم يغب عن فطنة المفسرين أن يسجلوا وجه الشبه في قوله تعالى: {والجبال أوتادا} ففهموا أنه في التثبيت والتمكين، وقالوا: جعل للأرض أوتاداً بمعنى أرساها، وثبَّتها، وجعلها تقر وتسكن، ولا تميد، وإنما استمدوا تلك المعرفة من دلالة الكتاب الكريم، ولا يمكن أن تلتقي تلك المعرفة الحديثة مع فيض الدلالات العلمية في حديث القرآن عن تاريخ الجبال، ووصف تكونها إلا أن يكون هو الوحي من عند الله العليم وحده تعالى بكل الأسرار.

* مادة المقال مستفادة من موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتصرف يسير.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة