الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتاب: التفاسير المختصرة اتجاهاتها ومناهجها

كتاب: التفاسير المختصرة اتجاهاتها ومناهجها

كتاب: التفاسير المختصرة اتجاهاتها ومناهجها

انصبت عناية أغلب الباحثين في مناهج المفسرين على التفاسير المطولة دون المختصرة، وربما كانت هذه العناية بالمطوَّلات لاعتبار مختصراتها فرعًا عنها، فيُكتفى بدراسة أصولها.

ورغم حضور ظاهرة الاختصار في التفسير في المكتبة القرآنية قديماً وحديثاً إلا أنها لم تلقَ العناية اللائقة بها من الدراسة والتحليل، وظلت الدراسات في مناهج المفسرين خلوًّا عن دراسات جادة في هذا المجال، إلا أبحاثاً جزئية في قضايا فرعية، تفتقر إلى كثير من التأصيل والتكميل، إضافة إلى كونها لا تعالج الإشكالات النظرية المحورية المتعلقة بهذه الظاهرة.

وأول سؤال ينبغي أن يُطرح عند التعرض لهذه الظاهرة: ما المراد بالاختصار في التفسير؟ وما هو حدُّ التفسير المختصر، والذي يُمكن من خلاله الحكمُ على كتاب أنه تفسير مختصر أو لا؟ وما هي ضوابط الاختصار ومحدِّداته، والتي يُحكَم من خلالها على المختصر بالجودة، أو القصور؟ وكذلك دراسة تاريخ هذه الظاهرة، وما الأسباب التي أدَّت إلى ظهورها؟ وما أثر هذه الأسباب في صنيع المختصِرين؟ وبالنسبة للتفاسير المختصرة من غيرها: ما أسباب تعدُّد المختصرات للتفسير الواحد في بعض التفاسير، وعدم ذلك في غيرها؟ وما المعايير التي يُوازَن بها بين هذه المختصرات؟

كلّ هذه التساؤلات تكشف الحاجة إلى دراسة جادَّة لهذه الظاهرة، والمؤلفات المتعلِّقة بها، والعنايةِ بجمع أسماء هذه المختصرات، والتعريف بمناهج مؤلفيها، إلى غير ذلك من القضايا المتعلقة بها.

ومن هنا تأتي أهمية هذه الكتاب، الذي أجاب عن بعض هذه التساؤلات، وفتح الباب للبحث في إجابة بعضها الآخر؛ حيث اعتنى بتسليط الضوء على عددٍ من التفاسير المختصرة، ودراسة مناهجها، واتجاهات مؤلفيها، والموازنة بينها، وقدَّم بين يدي ذلك تعريفاً للمراد بـ (الاختصار) وذِكْر طرقه، وأهم الظواهر المشتركة في التفاسير المختصرة، في دراسة حافلة تُعد جديدةً في بابها، وتفتح آفاقًا واسعة للعناية بهذا النوع من كتب التفسير.

محتويات الكتاب

قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وثلاثة أبواب رئيسة:

الباب الأول تمهيد لموضوع الدراسة، تناول فيه عدداً من المقدمات النظرية بين يدي دراسته، وتضمن هذا الباب ستة فصول:

الأول: عرَّف فيه بالتفاسير المختصرة، وذكر أنها على نوعين: المختصرة من أصل، والمختصرة ابتداء.

الثاني: مسرد إحصائي للتفاسير المختصرة التي وقف عليها، فذكر مائة وأربعين (140) تفسيراً مختصراً ما بين مطبوع، ومخطوط، ومفقود.

الثالث: طرق الاختصار، حيث ذكر أربعة طرق للاختصار سلكها مؤلفو التفاسير المختصرة.

الرابع: ذكر بعض الظواهر التي وقف عليها في بعض التفاسير المختصرة أثناء دراستها.

الخامس: الموازنة بين مختصرات المتقدمين والمعاصرين.

السادس: عرَّف ببعض التفاسير المشتهرة بأنها أصول، لكن قيل: إنها مختصرة من غيرها.

الباب الثاني: تعرض فيه المؤلف للتفاسير المختصرة من تفاسير أخرى، حيث تناول خمسة وثلاثين تفسيراً. وقسَّم هذا الباب إلى فصلين:

الأول: ذكر فيه المختصرات المتعددة لتفسير واحد، تعرض فيه لخمسة تفاسير أصلية، عرَّف فيها بالأصل ومؤلفه، وبالمختصر ومؤلفه، ثم عقد موازنة بين المختصرات المتعددة للتفسير الواحد.

الثاني: ذكر فيه التفاسير المختصرة المفردة، وقسمها إلى مختصرات المتقدمين، ومختصرات المتأخرين، وعرف بثلاثة مختصرات للمتقدمين، وسبعة للمتأخرين.

الباب الثالث: في التفاسير المختصرة ابتداء، درس فيه سبعة تفاسير، وقسَّمها إلى تفاسير المتقدمين، وتفاسير المعاصرين.

ثم ختم كتابه بأهم نتائج بحثه وتوصياته.

هدف الكتاب

ذكر المؤلف أهدافاً ثلاثة لبحثه، هي:

أولاً: دراسة التفاسير المختصرة من حيثيات عدة.

ثانياً: دراسة مناهج التفاسير المختصرة وتقويمها، وعقد مقارنة بينها إذا كانت مختصرات لتفسير واحد.

ثالثاً: دراسة مناهج التفاسير المختصرة ابتداء، سواء كانت من تأليف المتقدمين أو المعاصرين.

الإشكالات التي قام عليها الكتاب

يرى المؤلف أن التفاسير المختصرة لم تلق حظها من الدراسة والعناية، وهذا هو الإشكال الرئيس لدى المؤلف، والذي دارت حوله دراسته، وتفرع عن هذا الإشكال عدد من الإشكالات، اجتهد المؤلف في حلها والتعامل معها؛ من ذلك وضع ضابط للتفاسير المختصرة من غيرها، فبين أن الذي يحتاج إلى وضع ضابط هو التفاسير المختصرة ابتداء.

إطار البحث

وضع المؤلف إطاراً لبحثه، جاء وفق التالي:

- الاقتصار على دراسة مناهج التفاسير المختصرة المطبوعة دون المخطوطة.

- الاقتصار على التفاسير المقبولة في الجملة، دون تفاسير الرافضة، وغلاة الصوفية، ونحوهما.

- الاقتصار على التفاسير الكاملة، دون الجزئية.

- عدم تناول التفاسير المشتهرة بأنها أصل، وإن كانت في الأصل مختصرة من غيرها.

منهجية التعريف بمناهج المؤلفين للتفاسير المختصرة

سلك المؤلف في التعريف بالتفسير المختصر المنهج التالي:

- تمهيد يُعرِّف فيه بالتفسير الأصل ومؤلفه، ويضمنه إجمالاً لأبرز مزاياه وملامحه.

- التعريف بالمختصر ومؤلفه، وذكر طبعاته، والتنويه بما تتميز به الطبعة إن كان بها ما يميزها.

- عرض منهج المؤلف في الاختصار، وذكر أبرز مزايا الكتاب وعيوبه.

- الموازنة بين المختصرات المتعددة إن كانت للتفسير الواحد عدة مختصرات، وكان أطول هذه المختصرات تفسير ابن كثير، حيث تناول بالدراسة والموازنة خمسة عشر مختصراً مطبوعاً له.

- الاجتهاد في تحديد منهج الاختصار الذي سلكه مصنف المختصر.

أبرز مزايا الكتاب

تبرز أهمية هذا الكتاب في دراسته لهذا العدد من التفاسير، وما صاحب ذلك من كشف لعدد من القضايا المنهجية، التي لا تنكشف عادة إلا من خلال الدراسة التطبيقية. فمن مزايا هذا الكتاب:

- ما كشفه من تعدد أغراض الاختصار لدى المؤلفين، واختلاف تعبيراتهم عن أغراضهم في الاختصار، وكذلك تنوع وجوه الاختصار وطرائقه، والوقوف على ما يحسن منها وما لا يحسن من خلال الموازنة بين عدة مختصرات.

- تُعَدُّ هذه الدراسة مفتاحاً لمن أراد أن يسلك سبيل الاختصار في التفسير؛ بالاطلاع على الجهود المتنوعة في الاختصار، وما يُمدح من مسالكها، وما يؤخذ عليها؛ لعدم تكرار الجهود.

- تُعَدُّ هذه الدراسة تمهيداً لدراسة سائر التفاسير المختصرة، أو التوسعة في دراسات مستقلة لبعض المختصرات، خاصة التفاسير المختصرة ابتداء.

ملاحظات على الكتاب

يؤخذ على هذا الكتاب -على أهميته- عدد من المآخذ المنهجية، وهي مآخذ لا تُنقص من قيمته العلمية، من ذلك:

- جعل المؤلف عنواناً لكتابه (التفاسير المختصرة: اتجاهاتها ومناهجها) غير أنه لم يميز بين اصطلاحي: الاتجاهات، والمناهج، ولم يظهر لهذه المغايرة في عنوان الكتاب أثر في كتابه.

- لم يحرر المؤلف بشكل واضح المراد بمصطلح التفسير، ولم يبين كذلك ما يخرج به التفسير المختصر من عدِّه من جملة التفاسير المختصرة، أو كُتب الغريب، أو التفاسير الجزئية.

- ما خَلَصَ إليه في حد التفسير المختصر ابتداء؛ فإنه وبعد إثارة إشكال وضع الحد، صرح أنه من الأمور المتعذرة، وهذا وإن كان مقبولاً كنتيجة، إلا أنه كان يسعه أن يضع حدًّا لذلك في كتابه خاصة، لا حدًّا مطلقاً، وإلا فقد يَرِد على صنيعه إيراد بعض ما عُدَّ من المختصرات مما قد يُخَالَفُ فيه، أو عدم إيراد بعض المختصرات الأخرى مما هو قريب من المذكور.

- جعل المؤلف من حدود بحثه في صفة التفاسير المختصرة أن يكون التفسير مقبولاً في الجملة، وهذا ضابط غريب غير محكم؛ فإن القبول نسبي، وهو لم يضع حدًّا لهذا القبول، فالأولى وضع ضوابط واضحة لهذا الحد، إن اعتبره حدًّا في اختياره.

ومهما يكن من أمر، فإن المؤلف بهذه الدراسة قد فتح باباً لمن وراءه في استدراك ما فاته، والبناء من خلال هذه التجربة القيمة النافعة.

وقد أوصى الباحث في خاتمة كتابه بجملة توصيات تتعلق بموضوع كتابه، ومن أهم ما أوصى به: تحقيق أهم مخطوطات التفاسير المختصرة، والتي تتميز بشهرة مؤلفيها، أو بأسبقيتها على غيرها، مثال ذلك تفسير ابن كثير الذي اختصر كثيراً، وما زال يُختصر، وما زال أول مختصر للكتاب مخطوطاً، وهو (البدر المنير المُلَخَّص من تفسير ابن كثير) لعفيف الدين الكازروني (785هـ) وهو معاصر لمؤلف الأصل.

يشار أخيراً إلى أن أصل هذا الكتاب رسالة دكتوراه، تقدم بها الباحث محمد بن راشد البركة في قسم القرآن الكريم وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد قام بطبع الكتاب ونشره كرسي القرآن الكريم وعلومه في جامعة الملك سعود سنة 1436هـ2014م، وبلغت عدد صفحاته (987) صفحة.

* مادة هذا المقال مستفادة بتصرف من مقال بعنوان (قراءة في كتاب التفاسير المختصرة: اتجاهاتها ومناهجها) على موقع تفسير للدراسات القرآنية.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة