الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ذلكم الله ربكم

ذلكم الله ربكم

ذلكم الله ربكم

من النظائر القرآنية الآيتان الكريمتان التاليتان:

الآية الأولى: قوله تعالى: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل} (الأنعام:102).

الآية الثانية: قوله سبحانه: {ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} (غافر:62).

في هاتين الآيتين تقرير للربوبية، وإخبار بالوحدانية، وإثبات للخالقية، فهو سبحانه ربُّ العالمين، وهو الواحد الأحد الفرد الصمد، وهو خالق كل شيء، لا خالق سواه، ولا معبود إلا إياه.

وبالتأمل في نظم ونسق هاتين الآيتين نلحظ أن تقرير الربوبية جاء في مفتتح كلا الآيتين الكريمتين، بيد أن الإخبار عن الوحدانية في آية الأنعام جاء تالياً لذكر الربوبية، ومتقدماً على ذكر الخالقية، في حين أن ذكر الخالقية جاء في سورة غافر تالياً لذكر الربوبية، ومتقدماً على ذكر الوحدانية، ومن ثم كان لسائل أن يسأل عن وجه التقديم والتأخير في كلا الآيتين الكريمتين؟

وحاصل الجواب عن هذا السؤال أن يقال: إن آية الأنعام لما تقدم فيها قوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون} (الأنعام:100) وتقدمها أيضاً قوله عز من قائل: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} (الأنعام:101) كان الملائم نفي ما جعلوه وادعوه من الشركاء، والصاحبة، والولد، فقدَّم سبحانه ما الأمر عليه من وحدانيته سبحانه، وتعاليه عن الشركاء، وتنزيهه عن الولد، فقال: {ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو} ثم عرَّف العباد بعدُ بأن كل ما سواه سبحانه خلقه وملكه، ومن ثَمَّ قدَّم الأهم في هذا الموضع، والأنسب لنظم الآيات، والأوفق مع السياق.

وأما آية غافر فقد تقدمها قوله سبحانه: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (غافر:57) وتقدمها كذلك قوله عز من قائل: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا} (غافر:61) فلما تقدم ذِكْرُ الخلق الأعظم، ولم يتقدم هنا ما تقدم في آية الأنعام، قدَّم سبحانه هنا ذكر الخالقية على ذكر الوحدانية؛ لينبه سبحانه على أنه خالق كل شيء، فكان الكلام في آية غافر على تثبيت خلق الإنسان، لا على نفي الشريك عنه سبحانه، وكان تقديم الخالقية هنا أنسب للسياق، وأليق بالنظم، ثم أعقب بالتعريف بوحدانيته تعالى، فجاء كل ما في الآيتين من التقديم والتأخير على ما يجب ويناسب، ولم تكن واحدة من الآيتين لتناسب ما تقدم الأخرى.

ولا بأس أن نشير إلى أن علماء المتشابه القرآني، المتقدمين منهم والمحدثين، قد وجهوا التقديم والتأخير في هاتين الآيتين على النحو الذي عرفت، وكانوا جميعاً على قلب رجل واحد في توجيهها، والله الموفق والهادي إلى الصواب والرشاد.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة