الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ادخلوا مساكنكم

ادخلوا مساكنكم

 ادخلوا مساكنكم

نملة ٌفطنة أحست بالخطر فنادت قومها أن هلموا إلى مساكنكم.. قد يحطمنكم سليمان وجنوده ويضيع بين الأقدام حطامكم ...فتبسم نبي الله سليمان عليه السلام من قولها معجباً بحنكتها، قال تعالى: [حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ].

وقد خلّد المولى قصتها رغم صغر حجمها وقلة حيلتها.. ولحسن تدبيرها وحكمتها سميت سورة بالقرآن باسمها.
نملة أنقذت عشيرتها باحتمائها بمنزلها واللجوء إلى مسكنها الذي هو ملاذٌ وأمن، وحصنٌ وركن، نلجأ إليه حين الشدائد والمحن، ونحن إليه إن عصف بنا الزمن…
تمثلت لي قصة هذه النملة حين ناشدنا الأطباء والمسؤولون أن نمكث في بيوتنا.. ونتقي الأخطار بملازمة مساكننا.. وأن نؤدي مناسكنا في رحالنا.
وقلت في قرارة نفسي: مستعمرة نملٍ أفطن من جموعٍ من البشر.. لزم النمل مساكنهم فنجوا من أخطارٍ محدقة بهم.

وتمرد البشر وتحايلوا، وتخففوا من الالتزام وأبوا أن ينصاعوا… فأتت النتائج مخيبة.. وأصبحت الحسرة مسيطرة… وتم تشديد الحجر علينا.. ورب ضارة نافعة وعندما نذكر رمضاننا هذا..
سنذكر طعمه ومذاقه المميز..سنذكر هدوئه ورونقه..سنذكر خلوه من المشغلات والملهيات..سنذكر تحرره من السهرات والزيارات..
سنذكر نقاوة قلوبنا.. وسلامة ألسنتنا..سنذكر تعاضدنا.. ومؤازرتنا لبعضنا…سنذكر تفقد جيراننا… وسؤال أحبتنا…
سنذكر المكالمات عن بعد التي لا تنقل لهيب شوقنا.. ولكنها تخفف من عبء تصدع قلوبنا لفراق أحبتنا.

سنذكر المحاضرات والروابط التي فاضت بها أجهزتنا.. فلقد توقفت أغلب الوظائف والمهام.. وظلت مهمة المدرسين والمعلمين، مبشرة ومثبتة لأفئدتنا…
سنذكر كذلك أبناءنا وهم يتلقون تعليمهم في عقر دارهم.. مهما ضج العالم، وضُربت السياسة، وتزعزع الاقتصاد.. فالعلم فريضة تتحدى المآزق وتنفذ للعقول والأفهام… فكن عالماً أو متعلماً ولا تكن الثالثة فتضيع بين الركام…

سنذكر الساعة التي تنفسنا فيها الصعداء، ونحن نمشي بين الأزقة والأروقة، ونحمد الله أن رزقنا نعمة التعرض للأشعة، والتنزه تحت أديم السماء..
سنذكر حين اجتمعت الأسرة تحت سقفٍ واحدٍ في الصلاة والقيام، حين غدا كل الآباء والأبناء أئمة، وغدت البيوت مساجد صادحة بالقرآن ومرددة..
سنذكر دعائنا أن يرفع الله البلاء والوباء، وتضرعنا أن نعود لسابق عهدنا..

عفواً تذكرت.. لم تنته تأملاتي من قصة نملة سليمان.
فكما تعلمنا منها القرار في مساكننا سنتعلم منها كيفية الإلحاح في أدعيتنا عسى الله يكشف ما بنا.. فقد أثر عن سيدنا سليمان أنه خَرَجَ ليَسْتَسْقِي بِالنّاسِ فَمَرَّ عَلى نَمْلَةٍ مُسْتَلْقِيَةٍ عَلى قَفاها رافِعَةٍ قَوائِمَها إلى السَّماءِ وهي تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنّا خَلْقٌ مِن خَلْقِكَ لَيْسَ بِنا غِنًى عَنْ رِزْقِكَ .. فقالَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَّلامُ لِلنّاسِ ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة