الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حدث في مثل هذا الأسبوع (20 – 26 ذو القعدة)

حدث في مثل هذا الأسبوع (20 – 26 ذو القعدة)

حدث في مثل هذا الأسبوع (20 – 26 ذو القعدة)

وفاة شيخ المحققين العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد 25 من ذي القعدة 1392 هـ (1972 م):
العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد هو شيخ العلماء المحققين وأحد رواد مدرسة التحقيق العلمي ونشر نصوص التراث العربي الإسلامي، أخرج عشرات المصنفات الذائعة في شتى العلوم تأليفاً وتحقيقاً، وشرحا وتنقيحا.
والشيخ أشهر شارح ومفسر لكتب القدماء في مختلف فنون العلم و خاصة علوم اللغة وقد سهل على الأجيال اللاحقة له قراءة هذه المصادر والإفادة منها والاغتراف من بحرها.

كما يعد الشيخ أحد المجددين في النحو واللغة، فقد عالج معظم كتب النحو المتداولة بين طلبة العلم، وذوي الاختصاص اللغوي العميق، لتيسير دراستها، وتذليل قراءتها بالشروح والتعليقات، بدءًا بالآجرومية وهو متن للنحو للمبتدئين، وانتهاءً بشرح الأشموني للألفية، وشرح ابن يعيش للمفصل، ويندر أن تجد أحدًا من دارسي العربية في العالم لم يتتلمذ على كتب الشيخ محمد محيي الدين في اللغة والنحو أو لم يستفد منها.

كان رحمه الله منقطعـًا للعلم متبتلاً في محراب التأليف والتحقيق، شديد الولع والشغف بإحياء التراث العربي والإسلامي فرابط وجاهد وصابر في هذا المضمار حتى صار من أكثر علماء عصره تحقيقا و تأليفا.
لقد سارت مؤلفاته وتحقيقاته الخالدة في العالم مسير الضوء في الآفاق، فرأينا الجامعات والمعاهد والمدارس ودور العلم تقرر بعضها على طلاب الجامعات والدراسات العليا والمعاهد؛ لأن تحقيقاته، وشروحه، وهوامشه حافلة بالعلم والفوائد.
نشأته :
اسمه محمد محيي الدين بن عبد الحميد إبراهيم
والده الشيخ عبد الحميد إبراهيم، كان من رجال القضاء والفتيا.
ولد سنة 1318هـ الموافق 23 سبتمبر 1900م بقرية " كفر الحمام" بمحافظة الشرقية، وبعد أن حفظ القرآن الكريم وتلقى دراسته الأولية، التحق بمعهد دمياط الأزهري، حيث كان والده قاضيًا بمحكمة فارسكور بدمياط، وعندما نُقل والده إلى القاهرة ليكون مفتيا بوزارة الأوقاف، التحق بمعهد القاهرة الأزهري ثم التحق بالقسم العالي بالأزهر الشريف، وحصل على شهادة العالمية النظامية سنة 1925م، مع أول فرقة نظامية دراسية وكان الأول على قرنائه.

ظهرت مواهب الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد مبكرًا، وهو في الدراسة، وكان لنشأته في بيت علم وفقه أثر في ذلك، فقد شب وهو يرى كبار رجال العلم والقضاء يجتمعون مع أبيه في البيت ويتطارحون مسائل الفقه والحديث واللغة، فتاقت نفس الصغير إلى أن يكون مثل هؤلاء؛ فأكبَّ على القراءة والمطالعة تسعفه نفس طموحة وذاكرة واعية وهمة عالية، وكان من ثمرة ذلك قيامه وهو لا يزال طالبا قبل أن يظفر بدرجة العالمية بشرح مقامات بديع الزمان الهمداني شرحًا مسهبًا مستفيضًا مشحونًا بدرر الفوائد العلمية وتفسير الإشارات الأدبية والتاريخية التي تمتلئ بها، ونشر ذلك العمل، وصدّر هذا الشرح بإهداء إلى والده عرفانًا بفضله عليه، كانت طبعته الأولى عام 1342 هـ، وكان له من العمر حينئذ أربعٌ وعشرون سنة.

تدرجه الوظيفي
عقب تخرج الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد تلقفه معهد القاهرة الأزهري مدرسًا به، ثم لما تم إنشاء كليات الجامع الأزهر لأول مرة اختير للتدريس بكلية اللغة العربية سنة 1350هـ ( 1931م )، وكان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنًا.
ولم تمضِ عليه أربع سنوات بالكلية الجديدة حتى اختير سنة 1354هـ (1935م) للتدريس بتخصص المادة ( طلبة الدراسات العليا )، وزامل الكبار من أساتذته وشيوخه مزاملة خصبة مثمرة، فاعترفوا بفضله وعلمه، وتجاوزت شهرته جدران الكلية واسترعى انتباه الإمام الأكبر محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر؛ فاختاره محاضرًا في المناسبات الدينية العامة بالجامع الأزهر، كما مَثَّل الأزهر في كثير من المؤتمرات الثقافية واللغوية والأدبية فقد مثل الأزهر عام 1935م في المهرجان الألفي لأبي الطيب المتنبي بدمشق و غير ذلك من المحافل .

إلى السودان
وعندما فكرت حكومة السودان في إنشاء دراسة في الحقوق بكلية " جوردون " استعانت بالشيخ محمد محيي الدين ليشترك في وضع مناهج للعلوم الشرعية سنة 1359هـ ( 1940م)، وعمل هناك أستاذًا للشريعة الإسلامية، وانتقل من تدريس النحو والصرف إلى دراسة المواريث وأحكام الأسرة، ولم يكتف بذلك بل وضع كتابين جيدين في الأحوال الشخصية وأحكام المواريث، ولا يزالان يعدان من المراجع الوافية في بابهما، وظل في السودان أربع سنوات مليئة بالعمل والعطاء حتى عاد إلى مصر في سنة 1362هـ ( 1943م ).

العودة إلى مصر
بعد عودة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد من السودان عين وكيلا لكلية اللغة العربية وأسهم في تطويرها وإعلاء شأنها، ثم عين في سنة 1367هـ ( 1946م ) مفتشًا بالمعاهد الدينية، وبعد عامين نقل أستاذًا بكلية أصول الدين، فمكث بها نحو أربع سنوات حتى اختير مديرًا لتفتيش العلوم الدينية والعربية بالجامع الأزهر.
ثم تقلد في سنة 1374هـ ( 1954م ) عمادة كلية اللغة العربية، وظل في هذا المنصب خمس سنوات عاد بعدها أستاذًا إلى كلية أصول الدين، ومكث بها خمس سنوات رجع بعدها عميدا لكلية اللغة العربية مرة أخرى سنة 1384هـ ( 1964م ) حتى بلغ سن التقاعد بعدها بعام واحد.
في أثناء ذلك وبعده اختير في لجنة الفتوى بالأزهر عضوًا، واختير عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1384هـ ( 1964م )، وتولى رئاسة لجنة إحياء التراث بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة، وكان عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر الشريف ، ولخدمته للشريعة الإسلامية وكتب الفقه عُيِّن رئيسـًا للجنة الفتوى بالأزهر.

من صفاته
كان رحمه الله آية في الذكاء والفطنة، وحسن السمت، والغيرة على الأزهر، وتاريخه ورجاله، كما عُرِف عنه القصد في القول، وصونُ نفسه، وضبط تصرفاته.
وقد تعددت مواهب الشيخ ومناصبه، ولكنه كان أبي النفس، عزوفًا، فقد ذكر الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد نجا في حفل تأبين الشيخ في مجمع اللغة العربية؛ أنه قد طلب من الشيخ محمد محيي الدين أن يقابل مسئولاً معينًا من أجل أن يتولى منصبًا، فقال «إن المنصب إذا كانت الدولة تعترف أني أهل له فلتسنده إليَّ، وإن لم تكن معترفة بي فلا حاجة لي إلى مقابلة أي مسئول»
فكان يجمع بين عزة النفس والحفاظ على كرامته والاعتزاز بأزهريته، إلى جانب تواضعه الجم وحبه الكبير لشيوخه، وأدبه الرفيع مع أساتذته ووفائه لدينه وعقيدته، وولائه لربه وأمته.

مؤلفاته و تحقيقاته
جمع الشيخ بين التأليف والتحقيق، وهو من ذوي الإنتاج الغزير في هذين المجالين فقد ترك لأبناء العربية أكثر من خمسة وسبعين كتابا بين تأليف وشرح وتحقيق في مختلف العلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وتفسير وحديث وفقه وغير ذلك.
وقد رُزِقتْ مطبوعات الشيخ النحوية الحظوة والقبول، والذيوع والانتشار؛ لإخلاص النية فيها، وسخاء الجهد المصروف إليها.
وهذه بعض مؤلفاته:
1 - دروس التصريف.
2 - أحكام المواريث في الشريعة الإسلامية.
3 - الدرة البهية بتحقيق مباحث الرحبية.

4 - الدروس الفقهية على مذهب السادة الشافعية.
5 - المعاملات الشرعية دراسة فقهية مقارنة
6 - الأحوال الشخصية في الشريعة الإسلامية.
7 - رسالة الآداب في علم آداب البحث و المناظرة.
8 - مبادئ دروس العربية.
9 - تفسير جزء عم.
10 - المختار من صحاح اللغة بالاشتراك.
وله مؤلفات أخرى غير ما ذكر.

تحقيقاته:
و هذ قائمة ببعض الكتب التي حققها و صححها:
1- التحفة السنية في شرح المقدمة الآجرومية.
2- تنقيح الأزهرية للشيخ خالد الأزهري.
3- سبيل الهدى شرح قطر الندى وبل الصدى لابن هشام المصريّ.
4- منتهى الأرب شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب له أيضاً.
5- عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، لابن هشام المصري.
6 - شرح الأشموني على ألفية ابن مالك.

7- معاهد التنصيص في شرح شواهد التلخيص للعباسي.
8 - شرح مقامات بديع الزمان الهمداني.
9 - الإيضاح في علوم البلاغة للخطيب القزويني.
10 - نفح الطيب للمقري.
11 - يتيمة الدهر للثعالبي.
12 - وفيات الأعيان لابن خلكان.
13 - فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي.
14 - الموافقات للشاطبي.
15 - السيرة النبوية لابن هشام.
16 - شرح الحماسة التبريزي.

17 - شرح ديوان عمر بن أبي ربيعة.
18 - شرح ديوان الشريف الرضي.
19 - الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحاة الكوفيين والبصريين لابن الأنباري.
20- مختصر المعاني لسعد الدين التفتازاني.
21- روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان البستي.
22 - الموازنة بين أبي تمام والبحتري للآمدي.
23 - زهر الآداب للحصري (إعادة ضبطٍ وتصحيح لما صنعه زكي مبارك).
24 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام.
25 - تفسير القرآن الكريم التفسير الكبير لفخر الدين الرازي.
26 - العمدة لابن رشيق.
27 - سنن أبي داود.

28 - شرح ألفية السيوطي في مصطلح الحديث.
29 - توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصاغاني.
30 - الحاوي للفتاوي.
31 - الجامع الصغير للسيوطي.
32 - مجمع الأمثال للميداني.
33 - المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير.
34 - أدب الكاتب لابن قتيبة.
35 - جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر.
36 - مروج الذهب للمسعودي.

37 - شرح المفصل للزمخشري - صدر الجزء الأول فقط.
38 - شرح المفصل - لابن يعيش.
39 - نهج البلاغة للشريف الرضي.
40 - تاريخ الخلفاء للسيوطي.
41 - شرح شافية ابن الحاجب للرضي - تحقيق بالاشتراك مع محمد الزفزاف، ومحمد نور الحسن.
42 - شرح شواهد الرضي على الشافية - تحقيق بالاشتراك مع الشيخين المذكورين.
43 - الفرق بين الفِرَق لعبد القاهر البغدادي.
44 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى للسّمْهودي.
45 - المسودة في أصول الفقه لابن تيمية.
46 - إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم.
47 - الداء والدواء لابن القيم.

48 - مقالات الإسلاميين للأشعري.
49- رسالة التوحيد لمحمد عبده.
50 - سبيل الفلاح في شرح نور الإيضاح.
51 - الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع.
52 - منهاج الوصول في معرفة علم الأصول.
وغير ذلك من الكتب.

وفاته :

ظل الشيخ محمد محيي الدين منكبًا على عمله في تحقيق كتب التراث لا يعوقه مسئوليات منصب، أو عضوية المجامع عن مواصلة طريقه حتى لقي الله في 25 ذو القعدة 1392هـ الموافق 30 ديسمبر 1972، تاركًا هذا الإنتاج الخصب الذي لا تزال تنتفع بما فيه الأجيال، ويتعجب الإنسان كيف اتسع عمره لإخراج هذا العدد من الكتب المتنوعة في التخصص، الكثيرة في العدد، المختلفة في الأحجام، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، رحمه الله وجعل الجنة مثواه.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة