الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سلامة المَصْدر مِنْ خصَائص عقيدة أهل السُنَّة

سلامة المَصْدر مِنْ خصَائص عقيدة أهل السُنَّة

سلامة المَصْدر مِنْ خصَائص عقيدة أهل السُنَّة

عقيدة التوحيد التي جاء الأنبياء والرسل بها ولدعوة الناس إليها، هي عبادة الله تعالى وحده، وإفراده سبحانه بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. وهي الصلة الوثيقة بين الإنسان وبين خالقه سبحانه، فإذا انقطعتْ هذه الصِّلة، ضل وشقي الإنسان في الحياة، وكان في الآخرة من الخاسرين، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}(الأنبياء:25). قال السعدي: "فكل الرسل الذين مِن قبلك مع كتبهم، زُبْدَةُ رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة". وقال الله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى}(طه: 123). قال ابن كثير: "وقوله: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى} قال أبو العالية: الأنبياء والرسل والبيان. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} قال ابن عباس: لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة".
وعقيدة التوحيد هي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا) رواه البخاري. قال ابن عثيمين: "حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً". ومن ثم فإن أول وأعظم الواجبات الشرعية المنوطة بالمسلم هو الاهتمام بالجانب العَقَدي والإيماني، قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب، فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها، مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدا".

والعقيدة الإسلامية ـ عقيدة التوحيد ـ إذا أُطْلِقَت فهي عقيدة أهل السنة والجماعة، عقيدة القرون الثلاثة المُفضَّلة مِنَ الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. عن عوف بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (افترقت اليهودُ على إحدى وسبعين فِرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقتِ النصارى على ثنتين وسبعين فِرْقة، فإحدى وسبعون فرقةً في النار وواحدة في الجنة، والذي نفسُ محمدٍ بيده لَتَفتَرِقَنَّ أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله، من هم؟ قال: الجماعة) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وفي رواية للترمذي ـ وصححها الألباني ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: (قالوا: ومَنْ هي يا رسول الله، قال: ما أنا عليه وأصحابي)..
وأهل السنة والجماعة هُم مَنْ كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم المتمسِّكون بسنة النبي صلى الله عليه وسلم مِن التابعين الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان. قال ابن عثيمين في "فتح رب البرية بتلخيص الحموية": "وسمُّوا بذلك (أهل السنة والجماعة) لانتسابهم لِسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واجتماعهم على الأخذ بها: ظاهرًا وباطنًا، في القول، والعمل، والاعتقاد".
وللعقيدة الإسلامية ـ عقيدة أهل السنة والجماعة ـ خصائص عديدة، لا توجد في أي عقيدة أخرى، ولا عجب في ذلك، إذ أن مصدرها الوحْي ـ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ـ.

سلامة المصدر:
الكتاب والسُنَّة هما المصدر والنبْع الصافي لدين الإسلام وعقيدته، وهما الميزان الصحيح الذي توزن به العقائد والأقوال والأفعال، وقد أمرنا الله عز وجل بالتمسك بهما، والرجوع إليهما في كل شيء خاصة عند الاختلاف، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}(النساء:59)، قال ابن كثير: "قال مجاهد وغير واحد من السلف: أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة". وقال القرطبي: "أي ردوا ذلك الحُكم إلى كتاب الله أو إلى رسوله بالسؤال في حياته، أو بالنظر في سنته بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، هذا قول مجاهد والأعمش وقتادة، وهو الصحيح". وقال السعدي: "أمر بِرَدِّ كل ما تنازع الناس فيه، مِنْ أصول الدين وفروعه، إلى الله والرسول، أي إلى كتاب الله وسنة رسوله، فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية، إما بصريحهما، أو عمومهما، أو إيماء، أو تنبيه، أو مفهوم، أو عموم معنى، يُقاس عليه ما أشبهه، لأن كتاب الله وسنة رسوله عليهما بناء الدين، ولا يستقيم الإيمان إلا بهما فالرد إليهما شرط في الإيمان".
وعن المِقْدام بن مَعْد يكْرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيتُ القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال الخطابي: "وفي الحديث دليل على أنه لا حاجة بالحديث أن يُعْرَضَ على الكتاب، وأنه مهما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حجة بنفسه، فأما ما رواه بعضهم أنه قال: "إذا جاءكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقَه فخُذوه، وإن خالفه فدعوه" فإنه حديث باطل لا أصل له، وقد حكى زكريا الساجي عن يحيى بن معين أنه قال: هذا حديث وضعته الزنادقة".
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس: إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله وسنتي) رواه الحاكم وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: (خَلَّفتُ فِيكمْ شَيئينِ لنْ تَضِلُّوا بعدَهُمَا: كتابَ اللهِ وسُنَّتِي، ولَن يَتَفَرَّقا حتى يَرِدا على الحوضِ) رواه الطبراني وصححه الألباني. وفي هذين الحديثين: (تركت فيكم) و (خلَّفْتُ فيكم شيئين) أي: تَركْتُ لكم بعدَ وفاتي ومماتي أمرين، (لنْ تَضِلُّوا بعدَهما) أي: ما عَمِلْتُم وتمسكتم واعتصمتم بهما، فهما سببٌ في الهداية في الدنيا والفوز في الآخرة، (كتاب الله وسُنَّتي)، أي: بالاستِمساكِ والعمل بالقرآنِ والسُّنة معًا". وقال المناوي: "فهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما، ولا هُدى إلا بهما، والعصمة والنجاة في التمسك بهما، فوجوب الرجوع للكتاب والسنة معلوم من الدين بالضرورة". فالقرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة ـ بفهم سلف الأمة ـ هما مصدر العقيدة الإسلامية ـ عقيدة أهل السنة والجماعة ـ..

قال اللالكائي ـ المُتَوَفَّى في418 هـ ـ في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم": "فإن أوْجب ما على المرء معرفته اعتقاد الدين، وما كلف الله به عباده مِنْ فهم توحيده وصفاته، وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين، وكان من أعظم مقول، وأوضح حجة ومعقول، كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون".
وقال ابن تيمية: "والصواب في جميع مسائل النزاع: ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقولهم هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والعقل الصريح". وقال في "العقيدة الواسطية: "مِنْ طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة"..
وقال السفاريني: "المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ وأعيان التابعين لهم بإحسان وأتباعهم وأئمة الدين ممن شهد له بالإمامة، وعُرِفَ عِظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف، دون مَنْ رُمِيَ ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي".

إن المتأمل المنصف، إذا نظر في المعتقدات السائدة بين الناس جميعا، لوجد للعقيدة الإسلامية - المتمثلة في عقيدة أهل السنة والجماعة - خصائص وسمات تميزها بوضوح عن المعتقدات الأخرى مِنْ دياناتٍ أو فِرَقٍ أو مذاهب أو غيرها، والتي يعتمد أصحابها على أدْيان قد حُرِّفَت، أو على العقل والنظر، أو على الكشف والإلهام، أو غير ذلك مِن المصادر البشرية الناقصة التي يُحكمونها أو يعتمدونها في أمور العقيدة والغَيْبيات.. ومِنْ هذه الخصائص والمميزات التي اختصت وتميزت بها العقيدة الإسلامية ـ عقيدة أهل السنة والجماعة ـ سلامة المصدر، لأن مصدرها القرآن الكريم والأحاديث النبوية الصحيحة بفهم سلف الأمة مِن الصحابة ومِنَ التابعين الذين استقاموا على الاتِّباع وابتعدوا عن الابتداع في أي مكان وفي أيِّ زمان.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة