الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من مزايا السيرة النبوية

من مزايا السيرة النبوية

 من مزايا السيرة النبوية
تجمع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مزايا عدة، تجعل دراستها متعة روحية وعقلية وتاريخية، كما تجعل دراستها لازمة للدعاة المهتمين بالإصلاح الاجتماعي أيضًا، لأن فيها السبل والوسائل التي تُفتح بها أفئدة الناس، وتجمع قلوبهم على الخير، وفيها المعتصم الذي يلوذون به عند نزول الفتن، واضطراب السبل، واشتداد العواصف عليهم في دعوتهم الإصلاحية. ويمكن إيجاز مزايا السيرة النبوية فيما يأتي:
أولًا: أنها أصح سيرة لتاريخ نبي مرسل، فقد وصلت إلينا بأصح الطرق العلمية وأقواها، مما لا يدع مجالًا للشك فيما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان أول مصدر قصَّ علينا من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم: القرآنُ الكريم، فقد ذكر لنا القرآن نشأة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه قد نشأ يتيمًا فقال: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)} [الضحى: 6، 7] وذكر لنا من أخلاقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وذكر لنا ما تعرض له صلى الله عليه وسلم من أذى وعذاب، وما نعته به المشركون من السحر والجنون والكذب وغيرها، وتعرض القرآن لذكر هجرته صلى الله عليه وسلم، وذكر أهم المعارك التي خاضها بعد الهجرة، فذكر معركة بدر، وبني النضير، وأحد، والأحزاب، وصلح الحديبية، وفتح مكة، وحنين، وذكر من معجزاته حادثة الإسراء والمعراج، وذكر من أخبار حياته الخاصة مع نسائه وأصحابه، وغير ذلك من سيرته صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان القرآن الكريم أصحَّ طريق نقل لنا سيرته صلى الله عليه وسلم؛ إلا أنه لم يتعرض لتفاصيل الوقائع النبوية وأسبابها، وإنما تعرض لسيرته صلى الله عليه وسلم إجمالًا، فجاءت السنة النبوية فذكرت تلك التفاصيل، وبيَّنت ذلك الإجمال وأوضحته، وذلك كما جاء في كتب الحديث الستة وغيرها، وهي صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، ويضاف عليها: موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، وغيرها أيضًا. وقد حوت تلك الكتب القسم الأكبر من حياته صلى الله عليه وسلم، ووقائعه وحروبه وأعماله، وصلت إلينا بالسند المتصل إلى أصحاب رسول الله الذين نقلوها عنه صلى الله عليه وسلم؛ مما يجعلنا نكون بها تصورًا كاملًا عن سيرته صلى الله عليه وسلم.
ويضاف إلى هذين المصدرين: ما جاء في الشعر العربي المعاصر لعهد النبوة، وما جاء في كتب السيرة التي اختصت بنقل أخباره وسيرته صلى الله عليه وسلم دون غيرها، سواء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم ممن جاء بعدهم.
ثانيًا: أن حياته صلى الله عليه وسلم واضحة لنا في جميع مراحلها وبكل تفاصيلها: فنحن نعلم عن زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة، ونعلم عن ولادته وطفولته وشبابه، ونعلم عمله قبل البعثة، ورحلاته خارج مكة، ثم لما بُعث صلى الله عليه وسلم نعرف سيرته كلها، وما حدث معه في كل سنة من سني بعثته حتى قبض صلى الله عليه وسلم، فنعرف طعامه ولباسه، وعلاقته بأزواجه وأصحابه، ونعرف معاركه وأسبابها ونتائجها، بل إننا نعرف عدد الشعرات البيض في رأسه ولحيته صلى الله عليه وسلم؛ مما يجعل سيرته صلى الله عليه وسلم واضحة أمامنا وضوح الشمس، وقد قال بعض النقاد الغربيين: إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو الوحيد الذي ولد تحت ضوء الشمس. وهذه الميزة لا تتوفر لنبي غيره صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: أن سيرته صلى الله عليه وسلم تحكي سيرة إنسان أكرمه الله بالرسالة، ولكنها لم تخرجه عن إنسانيه، ولم ترفعه إلى درجة الألوهية لا قليلًا ولا كثيرًا، وهذا بخلاف ما يذكره النصارى عن عيسى عليه السلام، وما يذكره الوثنيون عن متبوعيهم من القداسة ومعاني الأولهية، وذلك شيء يجعلهم أبعد عن اتخاذهم قدوة في الحياة، أما سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم فهي تحكي لنا حياة إنسان مثلنا نستطيع التشبه به، والاقتداء به في أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
رابعًا: أن سيرته صلى الله عليه وسلم شاملة لكل النواحي الإنسانية في الإنسان: فهي تحكي لنا سيرة الشاب الأمين قبل البعثة، وسيرة الرسول الداعي إلى الله السالك أفضل الوسائل والسبل في سبيل دعوة قومه إلى الله تعالى، وتحكي لنا سيرة الرسول الزوج والأب في حنو العاطفة، وحسن المعاملة، وتحكي لنا سيرة الرسول المربي المرشد الذي يشرف على تربية أصحابه تربية مثالية، ينقل فيها من روحه إلى أرواحهم، ومن نفسه إلى نفوسهم، وتحكي لنا سيرة الرسول الصديق، الذي يقوم بواجبات الصحبة، ويفي بالتزاماتها وآدابها، وتحكي لنا سيرة الرسول القائد للدولة، والمحارب الشجاع، والسياسي الناجح، والمعاهد الصادق، والجار الأمين...، ولا يوجد مثل هذا الشمول في سير الأنبياء السابقين، ولا في أخبار القادة ومؤسسي الديانات والفلاسفة المتقدمين والمتأخرين؛ فإنهم إن برزوا في جانب، غابت عنهم جوانب كثيرة، مما يجعل نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي يصلح أن يقتدى به في جميع مناحي الحياة كلها.
خامسًا: أن سيرته صلى الله عليه وسلم دليل على صدق نبوته ورسالته: فهي سيرة إنسان سار في دعوته من نصر إلى نصر، آخذاً بالأسباب البشرية المادية، فقد دعا صلى الله عليه وسلم الناس فأوذي، وبلَّغ فأصبح له أنصار، واضطر إلى الحرب فحارب، وكان قائدًا حكيمًا موفقًا في قيادته، وما مات صلى الله عليه وسلم حتى دخلت جزيرة العرب كله في دعوته، والناظر في عدم التكافؤ في معاركه التي خاضها، وفي قصر المدة التي حقق فيها انتصاراته؛ يوقن أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسولٌ من عند الله تعالى، وما كان الله ليؤيد من يكذب عليه هذا التأييد العظيم في التاريخ.
بكل هذا وغيره امتازت سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن غيرها من سير الأنبياء السابقين وغيرهم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة