الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة

أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة

 أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة
الأصل في تسمية العلوم الإباحة، فمتى اصطَلح قوم على تسمية علم باسم ما قُبل ذلك منهم، إذ لا مشاحة في الاصطلاح، وعلم العقيدة واحد من تلك العلوم، سُمي عبر تاريخه بأسماء متعددة كان لها ما يبررها في كل مرحلة من مراحل تدوينه، والمتأمل في الأسماء والألقاب التي أطلقت على علم العقيدة يجدها تنقسم إلى قسمين اثنين، الأول: أسماء مشتركة بين مدرستين أو أكثر من مدارس العقيدة، والثاني: أسماء خاصة بمدرسة واحدة من تلك المدارس، وفي هذا المقال نوضح أسماء علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة، وقد أطلق على العلم الذي يهتم بدراسة العقيدة أسماء كثيرة عند أهل السنة والجماعة بيانها فيما يلي:
1- الفقه الأكبر: أقدم الأسماء التي أطلقت على العقيدة اسم: الفقه الأكبر، وقد أطلق هذا الاسم في القرن الثاني الهجري، نُسب ذلك إلى الإمام أبي حنيفة باعتباره أول من أطلقه في كتابه" (الفقه الأكبر)... ونسبة هذا الكتاب إلى الإمام أبي حنيفة مشكوك فيها لعدة أسباب منها ضعف السند، ومنها أن في الكتاب ذكر قضايا وفرق لم تكن موجودة زمن أبي حنيفة، وقد قيل لعل أصل الكتاب هو لأبي حنيفة ثم زيد عليه مثل تلك القضايا، وقيل إن الكتاب هو لأبي مطيع البلخي (ت: 199 هـ) كان قد سأل أبا حنيفة عن قضايا ودوَّن الأجوبة في كتاب سمَّاه الفقه الأكبر، وقد نسب الذهبي الكتاب لأبي مطيع وليس لأبي حنيفة، وأيَّاً يكن هو صاحب الكتاب فهو يدل على أن مصطلح: الفقه الأكبر كان قد أطلق أو عُرف في ذلك الزمن وكان يُراد به العقيدة، وهو أقدم مصطلح يُعرَف لهذا العلم.
2- العقيدة: مصطلح علم العقيدة لا نكاد نجده عند العلماء المتقدمين من أهل السنة والجماعة، وإنما نجدهم استخدموا مصطلح: العقيدة، وهذا المصطلح من أكثر الأسماء تداولًا عند المتأخرين أيضًا، ومن أول من استخدم هذا المصطلح -العقيدة- فيما وصلنا: الإمام الطحاوي (ت: 321 هـ) حيث يقول في مقدمة كتابه العقيدة الطحاوية: "هذا بيان عقيدة أهل السنة والجماعة"، وبعده استخدم هذا المصطلح الإمام اللالكائي (ت: 418 هـ) حيث سمى كتابه: "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة"، وبعده استخدم هذا المصطلح أيضًا الإمام أبو عثمان الصابوني: (ت: 449 هـ) حيث سمى كتابه: "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"، فكل هؤلاء الأئمة الثلاث قد استخدموا مصطلح: العقيدة.
3- علم السنة: هذا الاسم أو المصطلح من أقدم الأسماء التي أطلقت على علم العقيدة، وهو من أكثر الأسماء استعمالًا عند المتقدمين والأئمة من السلف، وذلك أن علم العقيدة كان في أول ظهوره في مقابلة البدع التي بدأت عام: (35 هـ)، وحين بدأ علماء السلف في التأليف والرد على أهل البدع سموا ما كتبوه: السنة، وكان من أقدم ما وصلنا عن استخدام هذا المصطلح للدلالة على العقيدة؛ قول شعيب بن حرب لسفيان الثوري (ت: 161 هـ): "حدثني بحديث من السنة" فذكر له سفيان جملًا من اعتقاد أهل السنة، ثم ألف عبد الرحمن القاسم (ت: 191 هـ) رسالة سماها: "رسالة في السنة"، وهي رسالة مفقودة الآن نقل عنها ابن القيم وغيره مما يدل على أن مؤلفها قصد بها بيان مسائل العقيدة.
ومن ذلك أيضًا قول سفيان بن عيينة (ت: 198 هـ): "السنة عشرة فمن كن فيه فقد استكمل السنة، ومن ترك شيئًا فقد ترك السنة" وذكر منها المسائل المكونة لعقيدة أهل السنة والجماعة. وقال الحميدي (ت: 219 هـ)" "السنة عندنا" وذكر مسائل مندرجة ضمن علم العقيدة. فهذا وغيره مما يدل على استخدام هذا المصطلح أو الاسم علم السنة أو السنة للدلالة على العقيدة.
4- أصول الدين: استخدم عدد من أئمة أهل السنة والجماعة مصطلح أصول الدين وأرادوا به العقيدة، فمن ذلك أن عبدَ الرحمن بن أبي حاتم (ت: 327 هـ) قال: سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين، وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار" فذكرا أصول الأبواب المندرجة ضمن علم العقيدة. وممن استخدم مصطلح أصول الدين للدلالة على العقيدة الإمام الدارمي (ت: 280 هـ) حيث يقول عن الصحابة: "وكانوا مؤتلفين في أصول الدين لم يتفرقوا فيه"، وممن استخدم هذا المصطلح أيضًا الإمام أبو عثمان الصابوني حيث قال: " سألني إخواني في الدين أن أجمع لهم فصولًا في أصول الدين، التي تمسك بها الذين مضوا من أئمة الدين، وعلماء المسلمين والسلف الصالحين" وذكر في ذلك مسائل العقيدة.
5- الإيمان: هذا الاسم لم يستعمل كثيرًا كغيره من الأسماء التي أطلقت على العقيدة كما سبق ذكره، ولكنه مع ذلك استعمله عدد من أئمة السلف وعنوا به مسائل العقيدة، ومن ذلك أنه قد جاء في رسالة بشر الحافي (ت: 227 هـ) قوله: "فإن أصول الإيمان" ثم ذكر مسائل العقيدة المعروفة، وجاء ذكر هذا المصطلح الإمام أحمد حيث سمى كتابه " الإيمان " وذكر فيه جملة كبيرة من العقائد، وممن ذكر هذا المصطلح وأراد به العقيدة: ابن أبي شيبة، وأبو سعيد الهروي، وابن منده، وغيرهم من العلماء المتقدمين.
6- التوحيد: استعمل عدد من العلماء المتقدمين مصطلح التوحيد وأراد به مسائل العقيدة، من أولئك العلماء الإمام مالك حيث يقول المزني: "سمعت الشافعي يقول: سُئل مالك عن الكلام والتوحيد فقال: محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد". وقيل لابن سريج ما التوحيد؟ فقال: "توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين: أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وتوحيد أهل الباطل من المسلمين الخوض في الأعراض والأجسام". وممن استخدم هذا المصطلح وأراد به العقيدة الإمام البخاري، فقد عقد في صحيحه كتابًا سماه: كتاب التوحيد، ذكر فيه مسائل من العقيدة متعلقة بالأسماء والصفات.
7- الشريعة: اطلاق مصطلح الشريعة للدلالة على العقيدة قلَّ استعماله لدى العلماء، وممن استخدمه الإمام أبو بكر الآجري في كتابه الشريعة، وأبو عبد الله بن بطة في كتابه: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية، ومقصودهما باسم الشريعة: العقيدة التي عليها أهل السنة والجماعة.
هذه الأسماء السبعة تكاد تكون هي الأسماء الوحيدة التي أطلقت على العلم الذي يجمع مسائل العقيدة عند أهل السنة والجماعة، كان استخدام بعضها أكثر من بعض كما سبق.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة