الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهمية العلم بالمصنفات في علم العقيدة (1)

أهمية العلم بالمصنفات في علم العقيدة (1)

 أهمية العلم بالمصنفات في علم العقيدة (1)

المراد بالمصنفات في علم العقيدة: "الكتب التي ألفت في علم العقيدة جمعًا لمسائله، وشرحًا لها، واستدلالًا عليها، ودفاعًا عنها"، والعلم بتلك المصنفات أمر في غاية الأهمية لمن يريد دراسة وفهم مسائل العقيدة، ويمكن إيجاز أهمية العلم بمصنفات علم العقيدة فيما يأتي:

1. العلم بأنواع ما صنف في علم العقيدة يجعل الباحث عالمًا بمظان المسائل المتعلقة بهذا العلم، وقد قيل: معرفة المظان نصف العلم.
2. تحديد الأولويات في القراءة والبحث، فالمعرفة بمصنفات علم العقيدة تجعل الباحث فيها يرتب أولوياتِه، ويُفاوت بينها، فيقدم بعضها ويؤخر غيرها، سواء في ذلك القراءة، أم البحث، أم الإحالة عليها.
3. تحقيق التكامل في البناء العلمي، لأنه بمعرفة اختلاف ما صنف في علم العقيدة وتنوعه؛ يتعرف الباحث فيها على المجالات التي لا بد أن يقرأها في تخصصه أو مجاله، ويحصل له بذلك التكامل والاتزان في البناء العلمي.
وإذا كان الاطلاع على أنواع ما صنف في علم العقيدة من الأهمية بمكان؛ فإن ثمت أمورًا لا بد من معرفتها عن هذه المصنفات قبل أخذ مسائل العقيدة منها، ويمكن إيراد أبرز بعض تلك المسائل في هذا المقال، وإرجاء بقيتها إلى مقال آخر، وذلك كما يأتي:
1. معرفة أسماء المصنفات وضبطها، والأصل أن لكل كتاب عنوانًا خاصًا يميزه عن غيره، وعناوين المصنفات في علم العقيدة بعضها مؤلف من كلمة واحدة، وبعضها مؤلف من كلمتين، وبعضها مؤلف من جملة قصيرة، أو جملة طويلة، ومن ذلك: كتاب الشريعة للآجري (ت: 360 هـ)، وكتاب الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد (ت: 241 هـ)، وشرح اعتقاد أهل السنة والجماعة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين من بعدهم للالكائي (ت: 418 هـ)، وكتاب التوحيد لابن خزيمة (ت: 311 هـ) فاسمه: كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عزوجل التي وصف بها نفسه في محكم تنزيله، الذي أنزله على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى لسان نبيه، بنقل الأخبار الثابتة الصحيحة، نقل العدول عن العدول، من غير قطع في إسناد، ولا جرح في ناقلي الأخبار.
وبعض المؤلفات في علم العقيدة سميت بأكثر من اسم، سواء ذلك من المؤلف نفسه، أم من غيره، ومن ذلك: كتاب ابن تيمية درء تعارض العقل والنقل، فإن له عنونا آخر هو: موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ويسمى باسم ثالث كما قال الآلوسي (ت: 1342 هـ) وهو: قسطاس الإنصاف والعدل في رد تعارض العقل والنقل، وكان من المصنفات ما لم يسمِ لها مؤلفها عنوانًا ككتاب العقيدة الطحاوية للطحاوي (ت: 321 هـ) ولذا تعددت أسماء هذا الكتاب، إلى غير ذلك من أسماء المصنفات في علم العقيدة.
فوائد العلم بأسماء المصنفات في علم العقيدة:
العلم بأسماء المؤلفات في علم العقيدة يعود على الباحث بكثير من الفوائد، منها: أن يميز بين الكتاب وغيره من الكتب الأخرى، وأن يعرف منهج المؤلف من خلال معرفة عنوان كتابه، كما في كتاب التوحيد لابن خزيمة؛ فإنه قد ذكر منهجه في عنوانه كما سبق ذكره. ومنها معرفة الفصول أو المسائل التي يتناولها هذا المؤلف، فكتاب الإيمان معالمه وسننه واستكمال درجاته للقاسم بن سلام (ت: 224 هـ) يُعرف من عنوانه المسائل التي يعالجها الكتاب، ومثل ذلك كتاب السنة للخلال (ت: 311 هـ) فإنه يُعرف من عنوانه أنه قصد جمع كلام الإمام أحمد في العقيدة، إذ عنوانه الكامل هو: كتاب السنة وألفاظ أحمد والدليل على ذلك من الأحاديث.
2. ومن الأمور التي ينبغي على الباحث معرفتها عن المصنفات في علم العقيدة: معرفة مكانة مؤلفها العلمية وضبطه، ومنزلته في علم العقيدة وهل هو صاحب اختصاص فيه أم متطفل على التأليف فيه، وفي مثل ذلك يقول الذهبي (ت: 748 هـ) عن أبي عثمان الصابوني (ت: 449 هـ): "لقد كان من أئمة الأثر، له مصنف في السنة واعتقاد السلف، ما رآه منصف إلا واعترف له"، ويقول عن مؤلفات البيهقي (ت: 458 هـ): "تصانيف البيهقي عظيمة القدر، غزيرة الفوائد، قل من جود تواليفه مثل الإمام أبي بكر، فينبغي للعالم أن يعتني بهؤلاء".
ومما ينبغي معرفته عن مؤلف الكتاب: معرفة مذهبه الذي يعتنقه فذلك يعين على فهم ما أورده في كتابه من مسائل أو نحوها، فمن ذلك كتاب فضائل الصحابة لوكيع بن الجراح (ت: 197 هـ) فإنه قد قدم فيه ذكر فضائل علي على ذكر فضائل عثمان رضي الله عنهما، وفي بيان سبب ذلك يقول الذهبي: "الظاهر أن وكيعًا فيه تشيع يسير لا يضر -إن شاء الله-، فإنه كوفي في الجملة، وقد صنف كتاب فضائل الصحابة، سمعناه، قدم فيه باب مناقب علي على باب مناقب عثمان رضي الله عنهما".
ومما ينبغي معرفته عن مؤلف الكتاب: معرفة مكانته الاجتماعية ومنزلته في الناس، فذلك قد يكون من أسباب انتشار كتابه بين الناس، وتقديمه على غيره، فمن ذلك انتشار كتب الإمام الآجري في الآفاق، وسبب ذلك لأنه كان يعيش في مكة، ويلتقي به الناس، ويأخذون عنه كتبه. ومن ذلك أيضًا كتاب العقيدة الذي كتبه الخليفة العباسي القادر بالله (ت: 422 هـ)، يقول عنه الخطيب البغدادي (ت: 463 ه): "وكان صنف كتابًا في الأصول، ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وإكفار المعتزلة القائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضر الناس سماعه"، فكان هذا من أسباب انتشار هذا الكتاب زمنه، وإن لم يكن له مزية على غيره فيما ذكر فيه من مسائل العقيدة.
3. ومن الأمور التي ينبغي على الباحث معرفتها عن المصنفات في علم العقيدة: معرفة موضوع الكتاب أو ما تضمنه من مسائل وتفاصيل، وعدم الاكتفاء بمعرفة اسم المؤلف وعنوان كتابه ونحو ذلك، فقد لا يدل عنوان الكتاب على موضوعه ويكون الكتاب من أجلِّ الكتب وأنفعها لطالب العقيدة، ومن ذلك كتاب المعرفة لمحمد بن أحمد العسال (ت: 349 هـ) فهو كتاب في إثبات الصفات، وعنوانه لا يدل على ذلك، وقد قال فيه الذهبي: "وهذا الكتاب -كتاب المعرفة- من أجلِّ كتاب صنف في صفات الرب عزوجل، وإذا نظر فيه البصير بهذا الشأن؛ علم منزلة مصنفه، وجلالته رحمه الله".
كانت هذه بعض الفوائد التي لا بد منها للباحث في علم العقيدة، ونأتي في مقال آخر على بقيتها بإذن الله تعالى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة