الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أسباب ضعف الإيمان

من أسباب ضعف الإيمان

 من أسباب ضعف الإيمان

كما أن المسلم يحرص على تقوية الإيمان في قبله وزيادته، ويسأل عن وسائل ذلك؛ فينبغي عليه أن يعرف ما يضعف الإيمان في قلبه وينقصه أيضًا، فكما أن لزيادة الإيمان أسبابًا ووسائل، فكذلك لضعف الإيمان ونقصانه أسبابٌ وعوامل أيضًا. نذكر في هذا المقال أهم تلك الأسباب والعوامل كما يأتي:

أولًا: ارتكاب الذنوب والمعاصي وعدم المسارعة للتوبة منها. ذلك أن المعاصي نكت سوداء على القلب، إن لم يتب صاحبها منها غطت على قلبه وأغلقته، فيضعف الإيمان في القلب وينقص. قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]، قال ابن جرير: "فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلقتها، وإذا أغلقتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله تعالى والطبع، فلا يكون للإيمان إليها مسلك، ولا للكفر عنها مخلص". وقال صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة نُكت في قلبه نكتة، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقلت، فإن عاد زيد فيها، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو فيه، فهو الران الذي ذكر الله جل وعلا: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين: 14]» رواه ابن حبان.
ثانيًا: أداء العبادات على أنها تكليف جسدي لا روح فيها ولا خشوع. وإغفال أنها عبادات تربط المسلم بربه فتسكن خلال أدائها جوارحه، وتخشع نفسه، فيزيد بذلك إيمانه، أما القيام بها على شكل حركات روتينية فارغة من أي تدبر بما يقوله في صلاته من ذكر وقرآن، أو بما لأجله صام وترك طعامه وشهوته ونحو ذلك من العبادات؛ كل هذا التعامل مع العبادات يجعلها لا أثر لها في نفس المسلم وقلبه، وبالتالي يصير أداؤها بهذه الطريقة سببًا من أسباب ضعف الإيمان بعد أن كانت من أسباب زيادة الإيمان، وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من الغفلة في أداء العبادة فقال في الصلاة مثلًا: «إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عشر صلاته، تسعها ثمنها، سبعها سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها» رواه أبو داود. والله تعالى قد ذكر من صفات المؤمنين فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)} [المؤمنون: 1، 2]. فقد وصفوا بالإيمان لأجل خشوعهم في صلاتهم.
ثالثًا: الغفلة عن ذكر الله تعالى. فذكر الله تعالى حياة للقلوب، يقوي الإيمان ويزيده، والغفلة عن ذكره سبحانه تقسي القلوب وتضعف الإيمان فيها حتى يصير صاحبها كالميت، قال تعالى عن المنافقين الذين آمنوا ثم كفروا: {وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت» رواه البخاري. وأما أهل الإيمان فقال الله تعالى لهم: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103]، ثم وصفهم بعد أن امتثلوا أمره فقال فيهم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191] فكان ذلك مما قوى الإيمان في قلوبهم.
رابعًا: هجر الصالحين وترك مجالستهم. من أسباب ضعف الإيمان ألا يجالس المسلم الصالحين ولا يصاحبهم، فمجالس الصالحين يستمع فيها المسلم للمواعظ والرقائق، وللأحاديث النافعة التي تتلى فيها آيات الله تعالى وتفسر، وتقرأ فيها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشرح، وذلك مما يقوي الإيمان في قلبه ويزيده. قال تعالى عن المؤمنين إذ يستمعون لآيات الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124]. فسماع القرآن يزيد الإيمان في قلب المؤمن ويقويه، وكذا حضور مجالس الصالحين التي قال فيها نبينا صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: «حلق الذكر» رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» رواه الترمذي. والطبع كما قيل لصٌ، فمن صاحب الصالحين تأثر بهم، وأخذ منهم الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة التي تقوي إيمانه وتزيده.
خامسًا: الانشغال بالدنيا ونسيان الآخرة. ذكر الله تعالى الدنيا وبين أن الانشغال بها من الأسباب التي تلهي المؤمن عن دينه وآخرته، فيضعف بذلك إيمانه، وينبغي للمؤمن أن يتفطن لذلك، ويأخذ من الدنيا ما ينفعه في دينه ودنياه، ويحذر التكاثر الذي يقسي قلبه وينسيه آخرته. قال تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)} [التكاثر: 1، 2]. قال ابن كثير: "شغلكم حب الدنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتى جاءكم الموت وزرتم المقابر، وصرتم من أهلها؟!". وقال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها، فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء» رواه ابن ماجه. وقال تعالى مبيّنًا لعباده حقيقة الدنيا التي يتنافس عليها الناس وتلهيهم عن آخرتهم: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 32].
كانت هذه الأسباب من أهم ما يذكر من أسباب ضعف الإيمان، وثمة أسباب غيرها أيضًا تذكر في موضوعات أخرى إن شاء الله تعالى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة