الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مواعظ نبوية بشأن الصلاة

مواعظ نبوية بشأن الصلاة

 مواعظ نبوية بشأن الصلاة

لا يخفى على ذي نظر أن الصلاة في الإسلام ذات مكانة عالية، وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم تلك المكانة بأمر محسوس يقرب به المعنى، فشبهها بعمود البيت الذي يقوم عليه البناء، فلا غرابة بعد ذلك أن يكثر النبي صلى الله عليه وسلم من المواعظ والوصايا المتعلقة بشأن إقامتها وإتمام صورتها الظاهرة والباطنة، وهذه بعض مواعظه لأصحابه وهم أفضل الأمة بعد نبيها، وهي موعظة لمن بعدهم من باب أولى.
أولا: الأمر بإقامة الركوع والسجود:
في الصحيحين عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أقيموا الركوع والسجود فو الله إني لأراكم من بعدي - وربما قال: من بعد ظهري - إذا ركعتم وسجدتم».
وفي رواية البخاري: «هل ترون قبلتي ها هنا، والله ما يخفى علي ركوعكم ولا خشوعكم، وإني لأراكم وراء ظهري»
وقد كانت تلك الموعظة التي تضمنت الأمر بإحسان الصلاة وإتمام ركوعها وسجودها على المنبر إثر صلاة صلاها بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نبههم إلى أنه يراهم من وراء ظهره كما يراهم بين يديه، وتلك من خصائصه ومعجزاته التي جعلها الله له، وقد كان صلى الله عليه وسلم يزن صلاتهم ويقيمها لهم، حتى تتوافق مع مقصودها وينتفع بها صاحبها.
فلو صلى أحدنا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف ستكون صلاته؟ وهل ستكون صلاته موافقة لما شرع؟ وإذا كان نظر النبي صلى الله عليه وسلم مقتضيا لتحسينها وإقامتها فكيف بنظر الله الذي فرضها على عباده، وبها يتقربون إليه.
ثانيا: الموعظة بأن أجر الصلاة على قدر حضور القلب:
قد يغلب على المصلي شواغل القلب بحيث يغفل عن حضور مقام الصلاة أو بعضها، فتصح الصلاة، بحيث لا يطالب بالإعادة، ولكن ينقص من أجره بقدر ما غفل عنها، وإلى هذا ذهب أكثر أهل العلم منهم الأئمة الأربعة، وذهب بعض العلماء إلى أن الصلاة لا تصح في الباطن وإن صحت في الظاهر، لأن مقصود الصلاة لم يحصل فهو شبيه بصلاة المرائي فإنه بالاتفاق لا يبرأ بها في الباطن، وإليه ذهب الغزالي رحمه الله. وهذا يجعل المصلي أمام مسؤولية كبيرة تدفعه إلى مدافعة الخواطر والوساوس وعدم الاسترسال معها، وقد ورد في سنن أبي داود عن عمار ابن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن العبد لينصرف من صلاته، ولم يكتب له منها إلا نصفها، إلا ثلثها، إلا ربعها، إلا خمسها، إلا سدسها، إلا سبعها، إلا ثمنها، إلا تسعها، إلا عشرها».
ثالثا: الموعظة بأن المصلي إنما يصلي لنفسه:
في صحيح البخاري عن أبي هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ثم انصرف فقال: «يا فلان، ألا تحسن صلاتك؟ ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي؟ فإنما يصلي لنفسه، إني والله لأبصر من ورائي كما أبصر من بين يدي».
قال ابن حجر في فتح الباري: دلت هذه الأحاديث على أن من رأى من يسيء صلاته فإنه يأمره بإحسان صلاته ويعظه ويبالغ في الوعظ؛ فإن القلوب تستجيب إلى الحق بالموعظة الحسنة ما لا تستجيب بالعنف، لا سيما إذا عم بالموعظة ولم يخص أحدا، وإن خصَّه فإنه يلين له القول. وقد قال الله تعالى لنبيه - عليه السلام -: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:63] وقال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125] انتهى.
رابعا: الموعظة بأن الصلاة أول عمل يحاسب عليه العبد:
في سنن الترمذي عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح ونجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فرضته شيءٌ، قال الرب عزّ وجلّ: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة؟ ثم تكون سائر أعماله على هذا».
وفي هذا موعظة بليغة تتضمن التنويه بشأن الصلاة في ميزان الآخرة، فهي معيار لما وراءها من الأعمال، فالصلاة إذا أقيمت على وجهها فإنها ترتب سائر الأعمال، وتعين صاحبها على القيام بالأوامر واجتناب النواهي.
قال ابن القيم في "الصلاة وحكم تاركها": ولأن قبول سائر الأعمال موقوف على فعلها، فلا يقبل الله من تاركها صوما ولا حجا ولا صدقة ولا جهادا، ولا شيئا من الأعمال، كما قال عون بن عبد الله: إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته، أول شيء يسأل عنه؛ فإن جازت له، نُظر فيما سوى ذلك من عمله، وإن لم تجز له، لم يُنظر في شيء من عمله بعد. انتهى.
خامسا: الموعظة بأن المصلي مشغول بأمر الصلاة:
الصلاة شغل عظيم، فإذا أحرم بها المصلي فقد انشغل بأمر كبير، فلا يلتفت إلى غيره وإن كان خيرا، فضلا عن سواه من العبث واشتغال الباطن بغيرها، ففي صحيح البخاري عن عبد الله ابن مسعود، قال: كنت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علي، فلما رجعنا سلمت عليه فلم يرد علي وقال: «إن في الصلاة لشغلا». قوله: فلما رجعنا، يقصد من أرض الحبشة.
وفي معنى الحديث يقول العيني في شرح سنن أبي داود: معناه: وظيفته أن يشتغل بصلاته فيتدبر ما يقوله ولا يعرج على غيرها فلا يرد سلاما ولا غيره. انتهى.
فهذه بعض المواعظ النبوية في شأن إتمام الصلاة وإحسان إقامتها، وكثيرة هي المواعظ النبوية في هذا الشأن، وكثرتها دليل على الأهمية البالغة التي حظيت بها هذه الفريضة العظيمة، وعلى المصلي العمل بما وعظه به النبي صلى الله عليه وسلم.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة