الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصحافة الإسلامية بين الواقع المشهود والمستقبل المنشود

  • الكاتب:
  • التصنيف:الإعلام

الصحافة الإسلامية بين الواقع المشهود والمستقبل المنشود

لا شك أن الصحافة إحدى وسائل الإعلام والاتصال المهمة في حياتنا، وكل يوم يمر عليها تزداد فيه أهميتها وتعلو فيه مكانتها، ولقد تصور البعض أن ظهور وسائل إعلامية واتصالية جديدة بعد الصحافة سيفقدها قيمتها ويصرف الناس عنها، ولكن لم يحدث ذلك، وإن كنا نعترف بأن الراديو والتلفزيون والإنترنت اليوم لهم جماهيرية لا بأس بها، إلا أن جمهور الصحف يزداد يوما بعد يوم، ولقد أثبتت التجارب والأيام أنه من الصعب الاستغناء كلية عن ثقافة الكلمة المطبوعة، لما لها من خصائص وسمات لا تتوفر لغيرها من وسائل الإعلام الأخرى، وليس هنا مجال لذكرها أو حصرها.

ولما كان الأمر كذلك، احتلت الصحافة في المجتمعات الإسلامية، مكانة وأهمية: لما لها من دور هام وتأثير كبير في تصحيح المفاهيم وغرس القيم وتصويب الصورة، ومخاطبة العقل، لذا فقد اهتم المسلمون بالصحافة في وقت مبكر من القرن التاسع عشر، ولقد تطورت الصحافة في المجتمعات الإسلامية تطورًا هائلاً عن الحالة التي بدأت عليها، وإن انقسمت هذه الصحف على نفسها، فظل بعضها وفيا لقيم المجتمع التي تصدر فيه، تعبر عن آماله وطموحاته وتدعو إلى قيمه ومبادئه، ولم تنسلخ عن هويتها وذاتيتها الإسلامية، وانحرف البعض الآخر وتبنى أفكارًا تغريبية وقيما وافدة وسقط في مستنقع الحزبية المقيتة والعلمانية اللعينة، ومن ثم فقد أصبح لدينا صحفا إسلامية وأخرى غير إسلامية!!

ونعني بالصحافة الإسلامية ـ تلك الصحف (جرائد أو مجلات) التي يصدرها ويحررها مسلمون متمسكون بعقيدة الإسلام، ملتزمون بقيمه وأخلاقه ومبادئه في واقع حياتهم ويمتهنون مهنة العمل الصحفي عن جدارة وتجرد ويؤمنون بأن الإسلام كلمة الله الباقية الخالدة التي تستوعب كافة شؤون الحياة وينطلقون من هذه الرؤية الشاملة للإسلام لمعالجة كافة القضايا الحياتية، مستخدمين كافة التقنيات العلمية ومواكبين لكل تقدم وتطور علمي في العمل الإعلامي عامة والصحفي خاصة، مستعينين بالمتخصصين في كافة المجالات، ويقوم بإدارة هذا العمل أناس على درجة عالية من الكفاية والأمانة والخبرة بطبيعة العمل الصحفي، مستخدمين اللغة التي تتناسب مع الجمهور المستهدف، ودورية الصدور الملائمة والحجم الذي ينسجم مع هذه الأهداف.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: أين تقف الصحافة الإسلامية اليوم من هذا المفهوم الذي اخترناه لماهية وحقيقة الصحافة الإسلامية؟ وكي نجيب عن السؤال فلا بد أن نجيب أولا عن سؤال آخر، وهو: هل الصحافة الإسلامية، صحافة متخصصة أم صحافة عامة؟؟
والحقيقة أن الصحافة الإسلامية، وفقا للتعريف الذي اخترناه، هي صحافة عامة، بكل ما تحمل كلمة "عامة" من معنى، وهذا لا يعني أن هناك صحفا إسلامية متخصصة في جانب من الجوانب أو في شأن من الشؤون، وسواء أكانت الصحافة الإسلامية، عامة أو متخصصة، فإن الأصل فيها أنها تنطلق من منطلقات الإسلام، وتجعل العقيدة الإسلامية هي مرجعيتها العليا ولا تأتي بشيء يخالف منهج الإسلام أو يناقض نظمه وتشريعاته.
ولكن المتتبع لتاريخ الصحافة الإسلامية منذ نشأتها إلى اليوم يلحظ عليها أنها لم تصل في معالجتها وتناولها للقضايا أو الموضوعات الحد الذي به يمكن أن نقول عنها: بأنها صحافة إسلامية عامة، هذا باستثناء "بعض" الصحف التي أصدرتها حركة الإخوان المسلمين في مصر في الأربعينيات من القرن العشرين مثل صحيفة "الإخوان المسلمون" اليومية، التي صدرت في يوم الأحد 3 جمادى الثانية 1365هـ الموافق 5 مايو 1946م وقد توقفت في يوم الجمعة 2 صفر 1368هـ الموافق 3 ديسمبر 1948م.

أما الصحف الإسلامية التي صدرت غير ذلك فكلها تقريبا يمكن أن تكون صحفا إسلامية متخصصة بدرجات متفاوتة، وهذا الموقف يلقي بالتبعة على المسلمين حكومات وهيئات وشعوب أن يعنوا بالصحافة العامة، بجانب هذا اللون الشائع من الصحف الإسلامية المتخصصة.
وعندما نقوم برصد الصحافة الإسلامية اليوم - كي نجيب على السؤال الذي طرحناه - فيمكننا أن نحدد بعضا من الملامح والسمات التي تكتنفها والتي تشيع في أوساطها، وأول شئ يمكن أن نلحظه ونسجله من خلال التجربة والممارسة هو افتقار هذه الصحف إلى العناصر الصحفية المؤهلة والكوادر الفنية ذات الكفاءة العالية والمدربة، ويصحب هذا ويلازمه، بل ويسبقه، تواضع الخبرة الإدارية المصاحبة لعملية إصدار الصحيفة، إذ يدير كثيرًا من الصحف الإسلامية من ليست لديهم دراية عن إدارة مشروع إعلامي وكيان صحفي بالقدر الكافي المطلوب لإنجاح هذا المشروع والدفع به إلى بر الأمان، الأمر الذي انعكس بالسلب على طبيعة الدور الذي يمكن أن تؤديه هذه الصحف في تشكيل الوعي والتأثير في العقول والقلوب وتصحيح المفاهيم والتأخر عن مواكبة التطور، لأن ذلك كله لا يتم التوصل إليه إلا من خلال استخدام الأشكال الفنية والأساليب التحريرية بحرفية جادة وخبرة عالية وإدارة واعية تعطي الفرصة للعاملين في الصحيفة أن يتحركوا وأن يبتكروا ويطوروا من الأداء في الشكل والمضمون طالما أن ذلك في إطار يتناقض مع النظرية الإسلامية.

ونتوقف هنا عند هذا الحد في رصدنا لظاهرة الصحافة الإسلامية اليوم، ونقدم بعض التصورات والاقتراحات التي نأمل وننشد أن تكون عليها صحافتنا الإسلامية مستقبلا، بل في الغد القريب بإذن الله تعالى، وهذه الاقتراحات يمكن أن نجملها في العناصر التالية:-
1. الدقة في النقل والابتعاد عن صور الخفة والتعجل والتساهل في نقل الأخبار والمعلومات من مصادرها.
2. الموضوعية في طرح القضايا والموضوعات المختلفة من غير تحيز ولا تشنج ولا إسفاف.
3. التشويق في عرض الأعمال الصحفية، وتجنب الأساليب العقيمة والمعقدة والمنفرة.
4. التوازن والملائمة بين الشكل والمضمون فلا ينبغي أن يطغى الاهتمام بالمضمون على حساب الشكل أو الاهتمام بالشكل على حساب المضمون، بل المطلوب أن يكون هناك تناغم وانسجام بين العملية التحريرية والإخراجية الصحفية.
5. الاهتمام الكبير بالمعلومات عن طريق عملية الأرشفة الصحفية، فينبغي أن يكون لكل صحيفة أرشيفها الخاص على مستوى الصور والموضوعات والشخصيات حتى يتسنى للمحرر أن يجد ما يحتاجه من معلومات في وقت الضرورة.
6. تبني استراتيجية للعمل داخل الصحيفة، أو خطة عملية مرحلية ترسم المحاور الرئيسية والخطوط العريضة التي تتمشى مع السياسة التحريرية العامة للصحيفة، والتي ينبغي أن تكون محددة سلفا، وأن يكون المحررون في الصحيفة على دراية بها، هذا بجانب الاهتمام الطبيعي بمجريات الأحداث والمستجد من الأخبار والمستحدث من القضايا والموضوعات.
7. الاعتماد الأساسي في تحرير الصحف الإسلامية وإخراجها على الأفراد المؤهلين علميا، وذوي الخبرة الكافية ممن يؤمنون بالفكرة الإسلامية ويعملون على إحيائها.
8. ترك الاهتمام بثقافة "الكم" والعناية بثقافة "الكيف"، والاهتمام بالأخبار والصور والتقارير والتحقيقات الصحفية، مع التقليل ما أمكن من المقالات التقليدية.
9. إعطاء الجانب الإداري أهمية كبرى، بحيث لا يدير العمل الصحفي إلا أهل الكفاية والأمانة.
10. الامتلاك والإفادة من التقنيات المعاصرة في مجال الإعلام مع إتقان المحررين والمسئولين لإحدى اللغات الأجنبية على الأقل.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة