الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أمهات عطرات في التاريخ ( 1 ) الخنساء

  • الكاتب:
  • التصنيف:أب .. وأم

أمهات عطرات في التاريخ ( 1 ) الخنساء

أمهات عطرات في التاريخ   ( 1 ) الخنساء

في سير الأسلاف عظة ، وفي مواقفهم خير وعبرة ، والخنساء رضي الله عنها عرفت بالبكاء والنواح ، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفى إبان جاهليتها ، وما أن لامس الإيمان قلبها ، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم : " إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، وإنكم لابن أبٍ واحد وأمٍ واحدة ، ما خبث آباؤكم ، ولا فضحت أخوالكم ، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قتلوا ، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته "

هذه هي الخنساء فأين رائدات نهضة الأمومة ؟ هذه هي الخنساء فأين المتنصلات عن واجب الأمومة منها ؟ إن جملة منهنَّ ـ ولا شك ـ أقصر باعـًا وأنزل رتبة من أن يفقهن مثل هذا المثل ، ربما كرهت إحداهن أن تكون أمـًا لأربعة ، ولو تورطت بهم يومـًا ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم ، فلم تدرك ما ترجو ، ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيء طائل ، وكفى بالأم إثمـًا أن تضيع من تعول .

وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومة على وجهها الصحيح ، وما ذاك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها ، ومن هنا يظهر عظم المرأة ، ويظهر تفوقها ، ولو كانت الأمهات كأم سليم ، وعائشة ، وأم سلمة ، والخنساء ،لفضلت النساء على كثير من الرجال في عصرنا الحاضر ( فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله )(النساء/34) ، فاتقوا الله معاشر المسلمين ، واعلموا أن للأم مكانة غفل عنها جل الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبة ، وعلينا جميعـًا أن نعلم أن الأم الحانية ، لطيفة المعشر ، تحتمل الجفوة وخشونة القول ، تعفو وتصفح قبل أن يطلب منها العفو أو الصفح ، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر ، يزيدها بنموه ضعفـًا ، ويحملها فوق ما تطيق عناء ، وهي ضعيفة الجسم ، واهنة القوى ، تقاسي مرارة القيء والوحام ، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح لا يحس به إلا الأمهات ، يتبعها آثار نفسية وجسمية ، تعمل كل شيء اعتادته قبل حملها بصعوبة بالغة وشدة ، تحمله وهنـًا على وهن ، تفرح بحركته ، وتقلق بسكونه ، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها ، تى تكاد تيأس من حياتها ، وكأن لسان حالها يقول : ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيـًا منسيـا )(مريم/22) ، ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين إلا قسرًا وإرغامـًا ، فيمزق اللحم ، أو تبقر البطن ، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها ، وكأن شيئـًا لم يكن إذا انقضى ، ثم تعلق أمالها عليه ، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها ، والذي تفقهه من قوله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(الكهف/46) ، ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها ، تغذيه بصحتها ، وتنميه بهزالها ، تخاف عليه رقة النسيم وطنين الذباب ، وتؤثره على نفسها بالغذاء والنوم والراحة ، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حلمها ومخاضها .

تقول عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهماتمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :[ إن الله قد أوجب لها الجنة ـ أو أعتقها من النار ](رواه مسلم ) ، الله أكبر .. ما أعظم الأم الصادقة المسلمة !!

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة