الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن أعود كما كنت ولا أخشى أن أفقد خطيبتي؟

السؤال

أحب خطيبتي ومتعلق بها لدرجة كبيرة جداً، وأتحدث معها يومياً بدون أي تجاوزات، ومشكلتي هي أني عند اختلاف الرأي بيننا أو عند حدوث أي مشكل بسيط، أو عندما أرى أو أسمع شيئاً لا يعجبني يصيبني الهم و أكتئب، وأحس أن قلبي مشدود وكأن شيئاً يعصره, وفي مرحلة ما تعقدت الأمور، ووصلت لدرجة لا ينفع معها إلا الانفصال حسب رأيي، وعندما خضت موضوع الانفصال كان شديد الألم من نصيبي أنا؛ حيث كانت الأعراض فقدان الشهية للأكل بنسبة كبيرة، والأرق بنسبة أكبر، حتى أني أحياناً لا أنام إطلاقاً، والشرود الذهني والسرحان وانقباض القلب والبكاء، وحاولت أن أعالج نفسي بتلاوة القرآن والصلاة والدعاء والاستخارة، ونفعني كل ذلك - ولله الحمد –.

بعد أن رجعت الأمور لطبيعتها وبسبب الخوف أن أفقد خطيبتي مرة أخرى، فقد غيرت شخصيتي، حيث تنازلت عن الكثير من الأمور، ولم أعد أشكك أو أصارح، وإن فعلت ذلك ففي إطار ضيق وبتسامح كبير، ومع أن ذلك يبدو جيداً، لكنني داخلياً مازلت أعاني قليلاً، وأخاف كثيراً من المستقبل، وخاصة إحساسي بفقدان الثقة بنفسي، وأني ربما لن أكون أهلاً لخطيبتي، والكثير من الوساوس, وفي كل ذلك أنا أستعمل دواء أندرال، لكي أخفف من أعراضي الجسدية والنفسية التي أعاني منها، مثل الخفقان والرعشة والاضطراب، والقليل من الرهاب الاجتماعي.

أسئلتي يا دكتور هي:
- ألم الفقد شديد، فهل يمكن أن أرجع لحالتي الطبيعية وأحب من جديد ولا يؤرق ضميري الماضي؟

- هل هناك علاج لفقدان الثقة بنفسي وعلاج للشخصية المستسلمة؟

وأي نصائح ترونها مناسبة، وشكراً لكم على صبركم معي، وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وحيد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فالذي يحدث لك من تفاعلات نفسية سلبية هي منطلقة من وجود درجة من الهشاشة النفسية لديك، هذا لا يعني أنك صاحب شخصية ضعيفة أو شخصية مستسلمة - كما وصفت نفسك - لكنك سريع التأثر، كما أن القوة الإيحائية من الطرف الآخر تؤثر عليك، ويعرف تمامًا أن في مثل هذه المرحلة ومثل هذه المواقف التي تعيشها أنت وخطيبتك، كل واحد يحاول أن يثبت نفسه من خلال ما يقوله، وأن يجمّل نفسه لدى الطرف الآخر، حتى يضع صورة ذهنية جيدة حول مقدراته ومنهجه وأسلوبه، وهذا يشكل عبئًا نفسيًا كبيرًا على بعض الناس الذين لديهم الاستعداد للقلق والوساوس، ويظهر أنه لديك شيء من هذا الاستعداد.

إذن هذه ظاهرة طبيعية، ظاهرة تتواءم مع التركيب النفسي لشخصيتك، ولا نعتبر ذلك مرضًا أو ضعفًا أو نقصًا أو علة رئيسية.

الذي أنصحك به هو أن تعرف أن هذا التواصل اليومي سوف يؤدي إلى نوع من الملل دون أن يشعر الإنسان بذلك، لأن المواضيع التي تطرق سوف تكون مواضيع رتيبة جدًّا، وربما لا يوجد ما يناقش بصورة إيجابية.

أنا يا أخي الكريم أقدر درجة العواطف ودرجة الارتباط، هذا لا أتناساه أبدًا، لكن الإسراف في مثل هذا التواصل ليس أمرًا حميدًا، النقاش والحوار في مثل هذه الأوضاع ليس له أسس، غير أن الواحد يريد أن يسمع صوت خطيبته وتريد أن تسمع صوته، وهنالك اعتقاد أن ذلك قد يؤدي إلى المزيد من التعاضد العاطفي، والشخص الآخر يبدي حبه ويتخذ المبادرات ليثبت ذاته أمام الآخر، وهذا في نهاية الأمر لا أراه أمرًا جيدًا.

الإنسان إذا تقدم لخطبة امرأة يكون برنامجه واضحًا، وهو أنه يريد أن يتزوجها، يريد أن يتخذها زوجة، ويعجل بذلك، وتترك الكثير من الأمور للنقاش بعد الزواج، فأرجو أن تقلل هذا العبء النفسي على نفسك، وذلك بأن لا أقول لك احجم عن الحديث معها، انتهج المنهج الشرعي، المنهج الإنساني، المنهج المعقول في هذا التواصل، ويجب أن تكون مواضيع النقاش الرئيسية قائمة دائمة على الاحترام، الاحترام قيمة عظيمة جدًّا بين الناس، لكن في مثل العلاقات ما بين الشباب وفي وقت الخطوبة ربما تكون هنالك بعض التجاوزات، ويحاول الخطيب أن يختبر نوايا خطيبته وقوتها وشدتها، والعكس صحيح، فهذه ظواهر لا نعتبرها أمراضًا، ويجب أن لا تعتبر نفسك ضعيفًا، هذه أحكام سلبية جدًّا، وتذكر أن هذه الفتاة إذا كانت لا ترى فيك الرجل الكفء لما أقدمت على القبول بك كزوج.

نصيحتي لك هي أن تعجل الزواج، هذا سوف يعيد الثقة في نفسك، احكم على نفسك بأفعالك وليس بمشاعرك، حاول أن تتذكر إنجازاتك، وحاول أن تطورها، وأن ترفع من كفاءتك النفسية والاجتماعية ومهاراتك في نطاق العمل، وزع وقتك بصورة صحيحة، انضم للأعمال الخيرية والنشاطات الثقافية، هذا أخي الكريم يساعد الشخصية على التطور بصورة جيدة، والانضمام للأعمال الخيرية يقوي من شخصية الإنسان ويجعلها تأخذ المبادرات الإيجابية مع إطفاء نار القلق والتوتر.

أيها الفاضل الكريم: القلق الذي يأتيك فيه درجة بسيطة جدًّا من الرهاب الاجتماعي، لذا يجب أن تحقر فكرة القلق والخوف، لأن هذا يساعدك، فأنت لا ينقصك أي شيء، ونصيحتي الأخيرة لك هي أن تتناول عقاراً يعرف تجاريًا باسم (ديروكسات) والذي يعرف علميًا باسم (باروكستين) وهو دواء جيد، وأنت لست محتاجًا له لفترة طويلة، تناوله بجرعة عشرة مليجرام (نصف حبة) استمر عليها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة كاملة (عشرين مليجرامًا) تناولها يوميًا بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الزيروكسات، ويمكنك أن تدعم هذا الدواء أيضًا بجرعة صغيرة من دواء (إندرال) وذلك ليخفف عليك الأعراض الفسيولوجية مثل الخفقان والرعشة، وجرعته هي عشرة مليجرام صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرامًا صباحًا لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد، وأنصحك بأن تعجل بالزواج.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً