الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تقدم لي شاب خلوق لكني أخشى من غيرته الشديدة، فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا صاحبة الاستشارة رقم (2133352) التي قد أرسلتها الأسبوع السابق، ولم يرد عليها إلى الآن وأنا في حيرة، وقلق شديد وأرجو من سيادتكم الرد مع تقديري أن هذا التأخير خارج عن إرادتكم، وأريد أن أسأل سؤالا آخر، وهو أن ذلك العريس المتقدم ملتزم، وذو خلق ودين، ولديه علم شرعي وكريم الطباع، ولكن أنا لمحت فيه بعض السلوكيات أنه شديد الغيرة، وأنا أخاف من هذه الصفة لأنني أعتقد أن الغيرة الشديدة أحيانا ربما تتحول إلى شك، وفي بعض الأحيان يضرب الزوج زوجته، فماذا فعل؟

مع العلم أني أحيانا أشعر بالارتياح تجاه الموضوع، وأحيانا أكون منقبضة تماما، وأخاف جدا من هذا الشخص بسبب الغيرة وبيت العائلة.

فأرجو النصيحة والرد العاجل؛ لأني لا أريد أن أطيل في الموضوع، وأنا في هذا القلق والخوف.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمة الرحمن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يوفقك لكل خير، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك -أختي الكريمة الفاضلة- من أن الله قد منّ عليك بشاب تقدم لك وهو على خلق ودين، ولديه قدر من العلم الشرعي، ويتمتع بكرم في الطباع، إلا أنك لاحظت أنه شديد الغيرة وتخافين من هذه الصفة، حيث إنها قد تؤدي إلى الشك -كما ذكرتِ- وكذلك موضوع بيت العائلة، فتسألين النصيحة والرد العاجل لهذا الموضوع.

أولاً أستبيحك عذرًا في التأخير لأمر فعلاً خارج عن إرادتنا، وكم كنا نتمنى أن نجيبك في الوقت المناسب، ولكن أرجو أن تسامحينا حفظك الله ورعاك، وقد تم الإجابة عن سؤالك المذكور بتاريخ: 12/2/2012، ونسأل الله أن تنتفعي به.

وأما بخصوص هذا الموضوع، فإني أعتقد أننا نستطيع أن نعالج قضية الرغبة بالالتزام والانضباط، لأن الأخت إذا عرفت طباع زوجها وعرفت صفاته وأخلاقه وكانت متفهمة وواعية ومدركة تستطيع أن تتغلب على أي مشكلة، فما دمتُ أعرف أن زوجي شديد الغيرة فأنا أجتهد أن لا أوقع نفسي في موضع التهمة أو الريبة، وإنما أجتهد أن أغلق الأبواب التي تؤدي إلى الغيرة أولاً بأول، وهذا حق زوجك عليك وحقك على نفسك أيضًا، حتى تحيي حياة مستقرة بعيدة عن أي شك أو شُبهة.

إذن أنت -بارك الله فيك- تجتهدي أن لا تضعي نفسك مواضع التهمة أو الريبة، بل إن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرنا بذلك، أمرنا أن لا نضع أنفسنا في مواضع التهمة، يعني على سبيل المثال: رجل صالح يجده الناس في خمّارة قد يكون جالسًا منتظرًا شخصا آخر مثلاً، فالناس قطعًا سيقولون ما الذي جاء بفلان إلى هذا المكان؟ كان الأولى له أن ينتظره خارج الخمّارة، لأن وجوده في الخارج يدفع عنه التهمة، أما وجوده في داخل بيت المعصية قد يثير بعض الشبهات، وقد يؤدي إلى سوء الظن به.

ولذلك أنا أقول قضية الغيرة لا أعتقد أنها مشكلة كبيرة، وإنما أعتقد أنها أمر من الأمور التي يمكن السيطرة عليها، على أن يكون لديك قدر كبير من الانتباه والوعي ومراعاة هذا الجانب.

أنت تعرفين أن زوجك شديد الغيرة إذن تُغلقي كل الأبواب التي تؤدي إلى الغيرة، وبذلك أعتقد أنك -إن شاء الله- سوف تستريحين.

ثانيًا على ذلك -بارك الله فيك- أن الغيرة في أول الحياة الزوجية تكون شديدة، ولكن ما أن تستمر الحياة عامًا بعد عام إلا وتبدأ هذه الغيرة تأخذ وضعها الطبيعي، وأنا أتكلم أيضًا بواقع التجربة الشخصية ومن واقع القراءات والأبحاث وواقع أحوال الناس.

إذا كان في فترة الخطبة مثلاً والعقد نجد أن الغيرة في القمة، ونجد أن الأخ يغار على خطيبته غيرة جنونية، وقد تكون غيرة مرضية، ولكن بعد أن تبدأ الحياة وتهدأ الأمور ويحدث بينهما التواصل الجسدي والروحي والمعنوي تبدأ هذه الغيرة تصل إلى معدلها الطبيعي.

أما إذا كانت على غير ذلك فهذه تسمى الغيرة المرضية، وهي التي طبعًا حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- وقطعًا ستكون مزعجة، أما ما دام الأخ بارك الله فيك صاحب خلق ودين وعلم شرعي وكريم الطباع أرى أننا -إن شاء الله- لم نصل إلى درجة الغيرة المرضية، ولذا فإني أقول بارك الله فيك: توكلي على الله، فإني لا أرى أنه عائق أو يستحق أن يكون سببًا لرفضك لهذا -الأخ الفاضل- الذي يتمتع بتلك الصفات الرائعة المتميزة التي ذكرتها في رسالتك، ومثل هذا تحرص عليه كل فتاة.

ما دمت جادة وما دمت -الحمد لله- على قدر من الوعي والفهم لشخصية هذا الرجل؛ فأنت تستطيعين أن تغلقي كل باب من أبواب الغيرة نهائيًا، وتعيشين أنت وزوجك في قمة السعادة والأمن والأمان، ولن يتطرق الشك إليكما بأي حال من الأحوال -بإذن الله تعالى-.

أما قضية بيت العائلة، فهذه قضية أيضًا نفس الشيء، لو أنك بارك الله فيك حاولت أن تجعلي أمه كأمك وأن تعاملينها كما تعاملين أمك أنا واثق أن كل الأبواب المغلقة سوف تفتح وتكون مشرعة -بإذن الله تعالى-.

نحن أحيانًا نتحسس من شيء وهمي، وأحيانًا قد نكون حقيقة فريسة لإعلام فاسد موجه بطريقة خاطئة أو لأقاويل أو لتجارب واقعية، ولكن هل كل الناس سواء؟ إذا كان الله يقول {ليسوا سواءً} فإذن كيف نحن نعمم فكرة بأن الحماة دائمًا قنبلة ذرية، وأنها شيطان رجيم، وأنها عدو أحمر، وأنه يجب الاحتياط منها، وخمسين خطا أبيض وأززق، هذا كله نحن ننسجه من نسج الخيال المريض، وإلا فالحماة هي كأي إنسان أخرى.

ثانيًا على ذلك أن الحماة قد تكون فيها بعض الحساسية والكلام هذا حق، لأنك أخذت منها ولدها وفلذة كبدها، وأصبح يُغلق عليك بابًا أنت وهو، في حين أنها قد لا تستطيع أن تراه إلا من وراء حجاب.

فإذن أقول -بارك الله فيك-، هذه القضية قضية طبيعية، ولكن لا ينبغي أن نعطيها أكبر من حجمها، علاج الموضوع أن تجعلي أم هذا الأخ كأمك، وانظري كيف تعاملين والدتك عاملي هذه السيدة. أن تجعلي والده كوالدك، كيف تتعاملين مع أبيك تعاملي مع والده، أن تجعلي إخوانه وأخواته كإخوانك وأخواتك بصرف النظر عن قضية الذكور والحدود الشرعية في التعامل معهم، وبذلك انحلت المسألة تمامًا ولا تجد هناك أدنى مشكلة.

ثانيًا على ذلك -أختي الكريمة-: هناك سلاح رائع جدًّا نحن قد لا نحسن استغلاله وهو سلاح الهدية، وأنت -الحمد لله- طبيبة، وأكيد أن الله تبارك وتعالى منَّ عليك بشيء من الوفرة المادية، وتستطيعين أن تكسبي قلوب كل هذه المجموعة ببساطة جدًّا وبدراهم معدودة، فاكسبي كما قال الشاعر: (أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم)، حاولي أن تكسبي قلوب هؤلاء الناس بشيء من الهدايا البسيطة، كلما جاءتك أخت من أخواته، أو جاء إليك طفل من أطفال إخوانه أو أخواته أو أقاربه تقدمي له هدية، صدقيني كل الناس سوف يثنون عليك ويمدحونك كثيرا، لأن الناس في الغالب يُحبون من يُحسن إليهم.

فأنا أقول -بارك الله فيك-: الأمر سهل، استعيني بالله تعالى، وأبدي موافقتك على هذا الأخ ما دام يتمتع بتلك الصفات الراقية والمميزات العالية، وعليك بالدعاء أن يشرح الله صدرك لقبوله، وأن ييسر الله الأمر بينك وبينه، وأن يجمع بينك وبينه على خير، كما لا مانع أن تسألي الله تعالى أن يُذهب عنه هذه الغيرة إذا كانت غيرة مرضية، أما أن تسألي الله أن يُذهب عنه الغيرة، فلا أعتقد أن هذا دعاء مقبول، بل إنه من الدعاء الذي فيه الاعتداء الذي لا يُحبه الله -تبارك وتعالى-.

وفقك الله ويسر أمرك وشرح صدرك للذي هو خير، هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً