الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من جدول يساعدني في التفوق الدراس وحفظ القرآن؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جزاكم الله خيرًا على المنتدى الأكثر من رائع، جعل الله جهودكم في ميزان حسناتكم.

أنا فتاة أبلغ 19 عامًا، والآن تخصصي في السنة التحضيرية الطبية، وأريد الحصول على معدل عالٍ، ولكني أعاني من ضيق الوقت الشديد، وعندما يكون لدي الوقت أصاب بالإحباط الشديد، ويضيع الوقت مني، فأرجو مساعدتكم في الأمور الآتية:

1- أنا أحب ربي وأتمنى أن يرزقني الاستقامة، فكيف أصل إليها؟
2- أريد حفظ القرآن الكريم ولا أستطيع الحفظ إلَّا في الإجازات، ويغلبني الكسل، فكيف يمكنني الحفظ؟ وهل بإمكانكم وضع برنامج لمتابعة حفظ القرآن؟
3- لا أستطيع إيجاد وقت كاف لمذاكرة جميع المواد.
4- أكره نفسي كثيرًا لأني لا أحقق ما أريد إنجازه، فكيف أنظم وقتي؟

يومي يبدأ بدوامي الجامعي الذي يكون في الساعة الثامنة، ووالدي يأخذني للجامعة في الساعة السادسة صباحًا بسبب ازدحام الطرقات، وينتهي يومي الدراسي في الساعة: الثالثة عصرًا، وأرجع البيت لأصلي العصر، ولا أتناول طعام الغداء، وذلك لأن الغداء يشعرني بالخدر، وأنام ولا أستيقظ إلَّا في الساعة السابعة مساء، ثم أصلي المغرب وأبدأ في مادة الترجمة التي تأخذ مني وقتًا طويلًا حتى الساعة الرابعة صباحًا، لأني ضعيفة في الإنجليزية، وخلال ذلك الوقت أتناول شيئا يسيرًا كالتمر مثلاً، وأصلي صلاة الليل ثم أنام، وهذا يجعلني أصاب باكتئاب شديد، فأنا بصعوبة أنتهي من الترجمة، لكن لا يسعفني الوقت لمذاكرة مواد أخرى!

أريد تنظيم وقتي بفاعلية، وأريد حفظ القرآن، ولكن برنامجي لا يتيح لي ذلك، فحياتي أصبحت كلها تعب وكدر، وبدأت أصاب بالخمول، وأنا أطمح أن أصبح طبيبة، فأرجو منكم وضع برنامج يساعدني على التفوق الدراسي!

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بدايةً نرحب بك - ابنتنا الفاضلة - ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، وحقيقة نحب أن نعبر عن سعادتنا بهذا التفوق الكبير، الذي تمكنت من إحرازه، ونؤكد لك أن الله الذي أيدك في المرات الماضية هو الذي سيقف إلى جوارك، ويسعدنا ويُفرحنا حرصك على صلاة الليل ورغبتك في حفظ كتاب الله تبارك وتعالى.

ونؤكد لك أيضًا أن الإنسان عندما يرتب جدولًا للمذاكرة لا بد أولًا أن يُعطي نفسه حظها من الطعام، وحقها من الراحة، وأن يكون هذا الجدول الذي يُراد تنفيذه في حدود المعقول، وفي الحدود الممكنة، وأن يشجع نفسه بالنجاحات التي تحققت، فيجب أن تظهري الفرح والسعادة والشكر لله تبارك وتعالى على نعمه، فإننا ننال بشكرنا لله المزيد.

كذلك أتمنى أن تحرصي دائمًا على الاستفادة من أوقات الطريق، إذا كان الوالد يوصلك فهذه مسافة طويلة تستطيعين من خلالها أن تراجعي بعض الأشياء المكتوبة بخط واضح، أو تراجعي المحفوظ.

أمَّا بالنسبة لكتاب الله تبارك وتعالى، فنقترح عليك أن تجعلي وردًا للدراسة مع الصلوات ولو كان محدودًا جدًّا، كأسطر محددة، مع المواظبة عليها، فإن الإنسان يحقق إنجازات كبيرة دون أن يشعر، فلو قلنا مع كل صلاة ثلاثة أسطر، فإنك تستطيعين أن تنتهي من ورقة أو صفحة في اليوم، أو أربعة أسطر مع كل صلاة، تستطيعين أن تنتهي من ورقة كاملة في اليوم، ولا تؤثر هذه على الجدول ولا على الدراسة.

كما نتمنى أن يكون هناك مكان - في الجدول المنظم – للراحة والاستراحة، والترويح عن النفس، وليس من الضروري أن يكون الترويح في الخارج، ولكن تنزلين مع أهل البيت، وتجلسين معهم، وتغيرين مكان الدراسة، وتحاولين أن تفتحي مواضيع اجتماعية معهم لمناقشة بعض الأمور، وتتحركين من مكانك؛ لأن حركة الجسم تتبعها حركة الدورة الدموية.

أن يكون هذا الجدول الذي تريدين تطبيقه ممكنًا؛ فإن المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهرًا أبقى، في الدراسة أو في حفظ كتاب الله، بعض الناس يكلف نفسه فوق طاقتها، والنبي (ﷺ) هو القائل: «خُذُوا/اكْلَفُوا ‌مِنَ ‌الْعَمَلِ ‌مَا ‌تُطِيقُونَ، فَوَاللهِ لَا يَمَلُّ اللهُ حَتَّى تَمَلُّوا وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ» وفي الحديث: «المُنبَتَّ لا أرضاً قَطَعَ ‌ولا ‌ظهْراً ‌أبْقَى»، والمُنْبَتُّ الذي عَطِبَ ظهرُه وبقي مُنْقَطَعِاً به، وهو من يدخل السباق، ومن يبدأ السباق بسرعة عالية جدًّا يسقط في منتصف الطريق، إذا كان راجلاً، أو إذا كان راكبًا تهلك دابته ويخسر جولة السباق، والمتسابق الحصيف من يبدأ الجولة بسرعة معتدلة من بداية السباق إلى نهايته، ولا مانع من أن يزيد السرعة عندما يقترب من النهاية.

فإذن الاعتدال مطلوب، وأن نعطي النفس ما تُطيق، ونعطي الجسم حقه وحظه، ونعطي النفس أيضا فرصة لتغيير الجو، كذلك المواظبة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة آية الكرسي والمعوذات صباحًا ومساءً، وإذا جاءك هذا الضيق فعليك أن تستغفري الله، وعليك أن ترددي دعاء نبي الله يونس: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، فإن الله من بعدها يقول: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ}، ثم يُبيّن أنها ليست لنبي الله يونس خاصة، ولذلك قال: {وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88].

وفي التقوى علم وفرجٌ وتيسير، قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، ويقول سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]،

وفي التوكل على الله بلوغ المراد وحصول العلم والرزق بإذن الله، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 2-3]، وبالدعاء بطلب العلم حصول المطلوب، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114]، {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25-28]، (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ ‌عِلْمًا ‌نَافِعًا، ‌وَرِزْقًا طَيِّبًا، وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا).

أسأل الله لك التوفيق والسداد، ونتمنى أن تكوني طبيبة ينفع الله بك البلاد والعباد، وأن تكوني رمزًا، وأعجبنا حرصك على أن تكوني طبيبة متميزة، وهذا الذي ينبغي أن نسعى إليه، فإن هذا زمان ينبغي أن يسعى فيه الناس للتميز والابتكار وليس لمجرد النجاح، ونشكر لك هذه العزيمة وهذه الإرادة، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً