الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس لي رغبة في الحياة فهل تساعدونني في تخطي هذه الحالة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا، وجعلكم والديكم من أهل الفردوس الأعلى.

أنا مريضة نفسيا، وأكتب لكم وأنا أبكي، تعبت من كل شيء، حزن دائم، اكتئاب، نظرة سلبية للحياة، وضعف في الشخصية، وعدم ثقة في النفس، وحب البكاء حتى في أتفه الأمور، اضطراب فظيع أحيانا أكون ملتزمة بالعبادة، وأحيانا أكون أشد فسقا وعصيانا -استغفر الله-.

لا أعرف الفرح، وخائفة دائما، وألجا للناس حتى لا يتركونني وحيدة، وأخاف من المجهول، ومن تغيير الحال في أبسط الأمور، ودائما أرهق نفسي بكثرة التفكير.

سافرت لمدة أسبوع للترفيه عن نفسي فازداد الاكتئاب بسبب الوحدة، فأنا أشعر بخوف فظيع من العودة لبلدي، وحزن شديد وبكاء بسبب مغادرة المكان، على الرغم من أنني لم أكن مبسوطة هناك، أتمنى أن تكون وضحت حالة الخوف التي أشعر بها من تغيير الحال حتى في أبسط الأمور، فأي من الدكاترة تنصحونني بالذهاب إليه، أو إلى أي عيادة، فأنا مقيمة في الرياض وعلى حافة الانهيار، ساعدوني.

ليس لي رغبة في الحياة أبدا، وأشعر أن الحياه مملة، وتمنيت لو أن الله لم يخلقني -استغفر الله-، ولولا خوفي على أمي بعد مماتي لانتحرت، لأنني وحيدة أمي.

أنا لا أريد الحرام ولا التعاطي، ولكنني أريد الراحة النفسية فقط، وعدم التفكير السلبي والحزن الدائم، والرغبة في الموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ مها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- قرأت رسالتك وأحزنني ما تضمنتها من مشاعر الحزن عندك, وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, حيث ولا شك أن كتابتك للرسالة دليل على توفر القوة لديك والحرص على التخلص من مشكلتك وآلامك وعدم استسلامك لحالة المرض لديك, وهو مؤشر جيد وبداية الشفاء -بإذن الله تعالى-.

- ما تعانينه من مشاعر الحزن والبكاء والاكتئاب والنظرة السلبية للحياة وعدم الثقة في النفس واضطراب الشخصية ونحوها من الأمور النفسية، هي ولا شك نوع من الأمراض النفسية التي تفشّت في مجتمعاتنا اليوم بسبب كثرة الضغوط والأزمات المتنوعة الاجتماعية وغيرها, ومن رحمة الله تعالى أنه سبحانه ما أنزل داءً إلا وجعل له دواءً كما قال صلى الله عليه وسـلم في الحديث الصحيح, سواء كان هذا الدواء نفسياً أو إيمانياً أو عضوياً.

- ومن الأدوية الإيمانية وهي خير ما يتداوى به المسلم: اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء, فاحرصي على التماس أوقات الإجابة كالدعاء في جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبات ودعاء الوالدين, قال تعالى: (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ), ولا عجب, فإن الله تعالى بيده ملكوت ومقادير السموات والأرض فهو المهيمن على كل شيء، وهو على كل شيءٍ قدير, فكما ابتلاك تعالى لحكمة من رفع الدرجات وتكفير السيئات وزيادة الحسنات, حيث قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا أحب الله قوماً ابتلاهم, وإن عظم الجزاء مع عظم البلاء), وفي الحديث أيضاً: (فما يزال البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة), فهو المتصف جل جلاله بصفة الرحمة, ولذلك قال في وصفه خليله إبراهيم عليه السلام: (وإذا مرضت فهو يشفين), فالحياة طبعت على الابتلاء والامتحان, وما الراحة إلا في الجنة, قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد)، (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه)، (ولنبلونكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين..).

- ومما يقوّي العامل الإيماني ويستجلب العون الإلهي حسن الصلة بالله تعالى ومعرفته وطاعته وذكره ودعاؤه سبحانه وتعالى والرضا بأقداره المؤلمة, قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه).

- ولما كانت الكثير من الأمراض النفسية كالتي ذكرتيها في رسالتك – سلمك الله وعافاك – كما يقول الاختصاصيون تعود إلى مشكلات عضوية, أو لأمراض الباطنية نحو مشكلة القولون العصبي والمعدة والإثني عشر والغدة الدرقية, أو تعود إلى أزمات نفسية نتيجة ما سبق ذكره من الضغوط والأزمات الاجتماعية وغيرها, فإن من واجب المحافظة على النفس مراجعة استشارية نفسية وعرض المشكلة عليها من غير حرج ولا تردد, وما عليكِ إلا واجب بذل الجهد اللازم, ويمكنك في منطقة الرياض من بلاد المملكة العربية السعودية مراجعة الدكتور طارق الحبيب حفظه الله, أو غيره من الاختصاصيين المعروفين, فالتزمي العلاج والاستمرار عليه, وثقي بأن الشفاء – بإذن الله – ممكن وقريب.

- أوصيك – أختي العزيزة – بالتحلي بحسن الظن بالله تعالى, والصبر على البلاء, والشكر للنعماء, والإيمان بالقدر خيره وشرّه حلوه ومرّه من الله تعالى, والرضا بالقضاء, واستشعار ما أعدّه الله تعالى للصابرين على البلاء من حسن الثواب والجزاء, والحرص على التداوي.

- كما وأنصحك بتعزيز الثقة بالنفس وقوة الإرادة, وتخفيف الضغوط النفسية عليك بضرورة الترويح عن النفس بالقراءة في الكتب النافعة ومتابعة المحاضرات والبرامج المفيدة, والخروج إلى المتنزهات برفقة الأهل والصحبة الصالحة لمدافعة هذه الهموم وهذه الأحزان, وتخطيها وتجاوزها بالشعور بالثقة والأمل والطموح والتفاؤل, وإدراك أن الحياة قليلة, فهي لا تستحق هذه المبالغة في القلق والأحزان.

- ضرورة مجاهدة النفس بالتركيز منك على حياتك وواقعك ومستقبلك ودينك ودنياك بإيجابية وفاعلية وتوازن واعتدال, فرج الله همك وكشف غمك وشرح صدرك ويسر أمرك, ووفقك لكل خير وشفاك وعافاك, وألهمك الصبر والثبات والهدى والرشاد, ورزقك الزوج الصالح والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً