الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يمكنني التوسط في ادخار المال وإنفاقه في نفس الوقت؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا من طبقة متوسطة تتمتع بالكثير من الرفاهيات -والحمد لله-، ولكنها رفاهيات محسوبة، ويبذل والداي جهدًا حقًا لتوفيرها، لذا يرهقني التفكير في كيفية إنفاق مصروفي منهما، لي إخوة كثر، وهم ينفقون المال على الملابس، والمطاعم، والرحلات الباهظة دون مراعاة لجهد والديّ اللذين يستمران بإعطائهم ما يطلبون كل مرة؛ مما جعلني أشعر بعدم جدوى لتوفيري وتقتيري، فالمال الذي أمنعه عن نفسي ينتهي الحال بإنفاقه على حذاء أحدهم، فهل أثاب على عدم إنفاق هذا المال بنفسي؟ مع علمي بأنه سيضيع على ما لا يهم في كل حال؟ أم أن توفيري بخل؟ وهل أبدأ بارتداء ثياب مماثلة لهم والإنفاق مثلهم؟ (علما بأن ملابسي الحالية ليست رخيصة، ولكنها ليست باهظة الثمن). وما معنى أن الله يحب أن تظهر نعمته على عبده؟ وإلى أي مدى تبذل الأموال لإظهار النعمة؟

هل سيحاسبني الله على المال الذي آخذه من والديّ وكيفية إنفاقه؟ وهل يحق لي أن أتصدق بجزء من المصروف الذي قرره لي أهلي دون أن أثقلهم بزيادة، كأن أحرم نفسي من السلع الثمينة، وأشتري الأقل ثمنًا، ثم أقسم المال الباقي ما بين دفتر توفيري والصدقة؟

أجيبوني بالله عليكم على كل سؤال، فقد ضاق صدري، واحترت في أمري، وأجد نفسي أشعر باستمرار بالبخل، وتدني القيمة والتبذير في آن واحد، ولو علمت ما يأمر به الله لارتاح قلبي واطمأن بإذنه.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ بيريهان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أختي الكريمة: أهنئك على أخلاقك الطيبة، وشعورك مع والديك، وكل ما يبذلونه من جهد ليؤمنوا لك ولإخوتك العيش الكريم.

أما بالنسبة للإنفاق سواء كنت أنت أو إخوتك فيفترض أن يتم باعتدال، وهو ما وصف الله به عباد الرحمن المقربين إليه بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (الفرقان:67)، وقال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء:29). هذه الآيات الكريمة تدلنا على الاعتدال في الإنفاق.

وبالنسبة لإنفاق إخوتك المبالغ به، فهذا أمر على والديك ضبطه والتحكم به، من خلال التوازن في الإنفاق عليهم، وتحديد حدٍ معينٍ للصرف.

أما بالنسبة لتقتيرك على نفسك، فهذا أمر غير محبب إذا كان الله قد أنعم عليكم من فضله، ولكن احذري من الإسراف؛ حيث يقول الله تعالى في كتابه العزيز: [وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا].

يا أختي: إن الله يحب أن يرى نعمته على عباده، ولكن ضمن "الاعتدال في الإنفاق"، ففي الحديث الشريف عن أبي الأحوص أن أباه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أشعث سيء الهيئة، فقال له رسول الله: "أما لك مال؟ قال: من كل المال قد آتاني الله، فقال: فإن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن تُرى عليه" أخرجه أحمد والنسائي.

وفي نفس الوقت: إن الإنسان الذي أعطاه الله وأغناه، لا يحسن أن يخرج بثياب ولباس وحال في غاية الابتذال، فيزدريه الناس، ولكن هل معنى هذا أن الإنسان يلبس رفيع اللباس، أو الألبسة والحلي المبالغ في أثمانها؟ بالطبع لا، عن معاذِ بنِ أَنسٍ، أَنَّ رسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:( مَنْ تَرَكَ اللِّباس تَواضُعًا للَّه، وَهُوَ يَقْدِرُ علَيْهِ، دعاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلى رُؤُوسِ الخَلائِقِ حَتَّى يُخيِّره منْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمان شَاءَ يلبَسُها). رواه الترمذي.

بالنسبة للصدقة من مال والديك، فإذا كان المال الذي تأخذينه من أبيك، بوسيلة مشروعة كالمصروف أو نحوه فإنك تمتلكينه، ولك أن تتصرفي فيه بالصدقة، أو غيرها من أنواع التصرف، ولا حرج عليك في ذلك.

وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً