الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفضت الخروج مع والدي بسبب الاختبارات فدعا علي!

السؤال

أبي سألنا إن كنا نرغب بالخروج معه للتنزه أم لا، وكان لدي اختبارات فرفضت، وقد تكون نبرتي في الرفض ارتفعت وكان ذلك عبر الهاتف، وعندما عاد إلى البيت أخذ يدعو علي، وعلى إخوتي، وقال لي: بأن الله لن يوفقني.

فهل الله غاضب علي؛ لأني رفضت الخروج معه، ولن يوفقني أم ماذا؟ هو يقول لي: إن الدراسة سنة، وإن بر الوالدين فرض.

قد تكون الأولويات لدي خاطئة في ترتيبها، كما أني لا أعرف حدودي في التعامل مع الناس، وأخطئ كثيرًا، وأندم ولا أعرف ما الصحيح وما الخطأ؟

ولا أدري كيف أعتذر؛ لأني مرة اعتذرت له لأني أخطأت؛ فدعا عليّ حينها بالموت.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يوفقك في دراستك، وأن يعينك على البر بوالدك، وأن يحفظهم لك من كل مكروه، إنه جواد كريم.

ابنتنا الكريمة: اعلمي أولاً أن من أعظم الواجبات عليك: برك بوالديك، وأن رضاهما من رضا الله عز وجل، وأن مطلوبهما يجب أن يكون أعظم مطلوب عندك، ذلك أن الله يغضب لغضبهما، وقد فهمنا أن المشكلة بينك وبين والدك في عدم فهمك له، وهذا دال على أن الجلوس معه ليس كثيرًا؛ لأن الأب متى ما وصل إلى مرحلة الدعاء على ولده، فهذا يعني أن الولد قد أخطأ وتمادى، وهو لا يشعر ربما، وربما كذلك ضخم الوالد المشكلة، لكن هذا لا يعفيك من وجود المشكلة.

ابنتنا الكريمة: قد كان كافيك إذ طلب الوالد منك الخروج أن تلبي طلبه، وأن تخرجي معه، وأن تصطحبي كتابك وتقرئي فيه كلما سنحت لك الفرصة، وتذاكري، وحتى إذا لم تستطيعي القراءة، فقد أخذت بعض الراحة، وأطعت الوالد وأرضيت الله عز وجل، وفي كل هذا فوائد لك كثيرة.

ابنتنا المباركة: إن الوالد حين دعاك للخروج يريد أن يفرحك، وأن يفرح بوجودك معه، وقد يكون اعتذارك هذا بهذه الطريقة أفسد على البيت كله تلك الخرجة، مع أن الأمر كان أهون من ذلك.

نحن نريد منك ما يلي:
1- التقرب للوالد أكثر، ومحاولة فهم ما يرضيه وما يغضبه.

2- الاستعانة بالوالدة فهي أكثر من تفهم والدك، ويمكنك أن تستشيريها فيما تريدين.

3- إسماع الوالد بعض كلمات المحبة له والتقدير، فهو يتعب ويعمل لأجل إسعادكم.

4- وضع خيارات أمام الوالد عند الاعتذار، مع ضرورة إظهار الحرص على الجلوس معه، فمثلا حين طلب منك الخروج اذهبي إليه وقولي له: أنا أريد الخروج معك وأستمتع بذلك، ولكني حائرة وأنت من ستختار لي:

أ- هل أخرج وأترك الدراسة مع أن عندي كذا وكذا، واجعلي هذه الفترة فترة نقاهة.

ب- أم أصطحب معي الكتاب.

ج- أم أجلس وتضيع علي تلك الخرجة ولكن أنتهي من عملي؟

اختر أنت لي.

هذه الطريقة في التعامل ستجلب لك محبته ورضاه، وثقي أنه سيختار لك الأفضل، فهو أبوك وأنت من أحب الناس إلى قلبه.

ابتنا الكريمة: بالنسبة لدعاء الوالد عليك، فاعلمي أن الأصل أن الدعاء منه مستجاب لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ).

ويستثنى من ذلك أن يكون الدعاء في وقت الغضب والضجر كما هو الحال مع والدك، وذلك لقوله تعالى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يونس/11.

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده، وأنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم، أو أموالهم، أو أولادهم؛ في حال ضجرهم، وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم -والحالة هذه- لطفاً ورحمة، كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم، أو لأموالهم، أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء".

فاطمئني -يا ابنتي- ولا تقلقي، ولكن اجتهدي في إصلاح ما قد كان.

نسأل الله أن يوفقك، وأن يسعدك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً