الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصبحت أخاف من كل شيء يتعلق بالدراسة.. ساعدوني

السؤال

السلام عليكم.

مشكلتي بدأت قبل سنتين عندما واجهت امتحانات البكلوريا ولم أستطع اجتيازها؛ بسبب الخوف المفاجئ الذي كان يأتيني في وقت المغرب، ويصاحبه ضيق في الصدر، وكأنما يوجد شيء ثقيل عليه، وضيق في التنفس، وبكاء، وعندها فكرت بالانتحار مرتين، ولم أستطع الانتحار، واضطررت إلى إعادة السنة مرة أخرى، وعندما جاءت الامتحانات النهائية أيضًا لم أستطع الامتحان، فقد عادت إلي هذه الحالة بشدة أقوى وأكبر، وفكرت أن أنتحر أيضًا؛ لأنني على مدار السنة لا أعاني منها، واضطررت إلى إعادة السنة مرة ثالثة.

ولكن الآن عندما قررت الإعادة رجعت إلي الحالة بشكل مستمر طوال اليوم، وتشتد عند الغروب ترافقها أعراض أقوى إلى درجة أنني قررت ترك الدراسة بشكل نهائي.

ساعدوني، أشعر وكأنما حياتي توقفت، أصبحت أخاف من كل شيء يتعلق بالدراسة على الرغم من أنني كنت الأولى دائمًا، أصبحت الآن أفكر أن أنهي حياتي، انعزلت عن كل من حولي حتى أهلي، أصبحت أخاف من مواجهة نفسي لكي أهرب من هذه الحالة، وتركت دراستي؛ لأنها تعود إلي عند الدراسة.

أرجوكم ساعدوني، أريد أن أعرف ماذا يحصل معي، وما هو الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رحيق حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والتوفيق، وأقول لك: هوّني عليك -أيتها الفاضلة الكريمة-.

هذه الحالة التي انتابتك هي نوع من الخوف المفاجئ المرتبط بالقلق، وتُسمّى نوبات الهرع، أو الفزع، أو الهلع، وهي قطعًا مخيفة. أنت صادقة جدًّا ودقيقة في وصفك، ولكني أؤكد لك أنها مهما كانت مزعجة فهي ليست خطيرة، لن يحدث لك شيء أبدًا بإذن الله.

بالطبع أزعجني كلامك عن الانتحار ومحاولات الانتحار، هذا أمرٌ يجب ألَّا يكون جزءًا من حياتك أبدًا، تريدين خُسران الدنيا والآخرة؟ أنت شابة وفي بدايات سِنِّ الشباب، ومسلمة، حباك الله تعالى بكل المهارات والمقدرات التي من خلالها تستطيعين إدارة حياتك بصورة طيبة.

أيتها الفاضلة الكريمة: الحالة يمكن أن تُعالج، وتُعالج بصورة ممتازة جدًّا، وإن شاء الله تعالى تستطيعين مواصلة دراستك، ولن تأتيك أي مخاوف قبل الامتحانات.

بالطبع الإنسان قبل الامتحان يقلق، وهذا نُسمّيه بالقلق الإيجابي، أو نسميه بقلق الدافعية، لأن الذي لا يقلق لا ينجح؛ لكن قطعًا القلق حين يتعدّى المعدّل المطلوب ويزداد ويحتقن تكون له بالفعل آثار سلبية، يجعل الإنسان يتخذ قرارات خاطئة، كما حدث في حالتك.

هذا الأمر قد انتهى، عفا الله عمَّا سلف، أريدك الآن أن تنظري بصورة إيجابية للمستقبل، وأريدك أن تتناولي أحد الأدوية الفاعلة جدًّا لهذا النوع من القلق، قلق المخاوف والهرع. الدواء اسمه (اسيتالوبرام) هذا هو اسمه العلمي، واسمه التجاري (سيبرالكس)، من الأدوية الطيبة والفاعلة وغير الإدمانية، والتي لا تؤثر على الهرمونات النسائية.

طبعًا تحتاجين أن تتحدثي مع والديك حول هذا الأمر، وإن فضّلوا أن تذهبي وتقابلي طبيبًا نفسيًّا فهذا أيضًا أمرٌ جيدًا، لكن أؤكد لك أن حالتك ليست معقدة في جميع الأحوال.

الاسيتالوبرام: هنالك حبة تحتوي على عشرة مليجرام، وهنالك حبة تحتوي على عشرين مليجرامًا، الجرعة الكلية هي عشرون مليجرامًا، تبدئين بتناول خمسة مليجرام - أي نصف الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرامات - وتستمرين على جرعة البداية هذه، بهدف التدرج في العلاج، استمري على الخمسة مليجرامات لمدة عشرة أيام، بعد ذلك ارفعي الجرعة إلى عشرة مليجرامات يوميًا لمدة شهرٍ، ثم اجعليها عشرين مليجرامًا يوميًا لمدة شهرٍ آخر، ثم بعد ذلك ارجعي وخفضي الجرعة واجعليها عشرة مليجرامات، يوميًا لمدة شهرين، ثم خمسة مليجرامات يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرامات يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناول الدواء. هو دواء جميل، وفاعل، وأسأل الله أن ينفعك به، وتوجد أدوية غيره، لكنّه هو الأفضل.

طبعًا بعد شهرٍ - إن شاء الله - من بداية العلاج سوف تحسّين بارتياح كبير، ومن الضروري حقيقة أن تبدئي دراستك مباشرة الآن، لا تترددي أبدًا، الدراسة تمثّل مستقبلك الإيجابي، وحتى لا تندمي على ترك الدراسة يجب أن تذهبي وتدرسي، وطبعًا الدواء سوف يُشعرك براحة كبيرة.

في ذات الوقت أريدك أن تمارسي أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة، وأيضًا من الضروري جدًّا أن تنظمي وقتك، أن تتجنبي السهر، تنامي ليلاً مبكّرًا، وتستيقظي -إن شاء الله- مبكّرًا، وأنت بطاقاتٍ إيجابية عظيمة ومقدرة كبيرة على التركيز، تؤدين صلاة الفجر، ثم تدرسين لمدة نصف ساعة إلى ساعة قبل أن تذهبي إلى مرفقك الدراسي، وسوف تجدين أن درجة استيعابك أكبر، وطبعًا بعد العودة إلى المنزل تتناولين طعام الغداء، وتُشاركين الأسرة في أي أنشطة، ويمكن أن تأخذي قسطًا بسيطًا من الراحة، لكن ليس نومًا، وتقومي أيضًا بتطبيق تمارين استرخائية، هنالك تمارين التنفس التدرُّجي، وتمارين شد العضلات وقبضها ثم استرخائها مفيدة ومهمّة جدًّا، وللتدرب عليها يمكنك أن ترجعي لبعض التمارين الموجودة على اليوتيوب.

من المهم جدًّا أن تكون لك مشاركات اجتماعية وأسرية إيجابية. اسعي دائمًا لبرِّ والديك، كوني إنسانًا فعّالًا داخل الأسرة، وأنا متأكد أن حياتك -إن شاء الله تعالى- سوف تكون بخير وعلى خير، ولابد أن ترتقي بنفسك، ولابد أن تجتهدي في دراستك، وما يُسمّى بالانتحار يجب ألَّا يخطر على بالك أبدًا، هذا لعب بالنار، والمسلمة لا تفكّر بمثل هذا التفكير، مهما وصلت درجة المضايقة وعدم الارتياح، {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما}.

إن شاء الله تعالى أمامك مستقبل طيب ومستقبل ممتاز، وكما ذكرتُ لك كل الذي حدث لك هي نوبة هرع وفزع، وهي نوع من القلق الحادّ، والآليات التي ذكرناها لك هي المهمّة والضرورية للعلاج، فيجب أن تأخذي بها في جُملتها، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

وللفائدة راجعي الاستشارات المرتبطة: (2240168 - 15807 - 2364663 - 2294112 - 278495 - 2110600).

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً