الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتوب من ذنب لا أزال أقترفه، فكيف أثبت على التوبة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله في سعيكم.

لا أعرف كيف أبدأ، الحمد لله الذي منّ عليّ بالهداية، وقد تربيت من صغري على طاعة الله، كنت أسهو في بعض المرات عن صلاتي، ولكني اقتربت من الله -عز وجل- في السنوات الأخيرة، أتلذذ بطاعته، ولكن وقعت في معصية، فأنا ما بين أن أذنب ثم أتوب! أجاهد نفسي على ترك الذنب، والله أعلم بي، أصبحت أبكي؛ لأني لم أعد قادرًا على ترك الذنب، أقول لنفسي متسائلًا: كيف لي أن أفعل هذا الفعل وأنا أعرف أنه ذنب؟ كيف سأقابل الله -عز وجل-؟!

أنا أحب الله وأدعوه أن يتقبلني، وأن يرزقني النظر لوجهه الكريم، وأن يدخلني جناته، أحب ديني، وأكرمني الله بنعمة التمستها منذ صغري، والتمسها كل من حولي، وهي أني أرتل القرآن، وأعيش مع آياته، ولست أبالغ، لكنها حقًا فضل من الله عليّ، لكني انقطعت عن الحفظ لفترة، وعدت وأنا أدعو الله أن يرزقني حفظه، وتعلمه، والعمل به، والسير على هداه وسنة حبيبه -صلى الله عليه وسلم-.

سردت كل ما سبق ذكره لأصل لمشكلتي، وهي: أني منذ فترة وقعت في معصية، أذنب منها وأتوب، حقيقة لا أريد توضيحها، الحمد لله غافر الذنب، لكني أذنب وأتوب، أبقى فترة ثم أعود، استحييت من الله، كررتها كثيرًا، أعلم أن الله -عز وجل- يغفر الذنب ويتوب على العبد -ولله الحمد-، لكن استحييت من ربي! كيف أوقف نفسي وأثبت على توبتي؟

أبكي حبًا وشوقًا لله -عز وجل-، الله أعلم بصدقي، ويعلم أن روحي فداه، ويعلم أن الدنيا لا تهمني، أتوق إلى لقياه، أدعو الله في صلاتي كثيرًا أن يثبتني.

عندما أذنب أعرف ذنبي، وبعد أن فعل الذنب أتوب وأبقى ثابتاً إلى أن تأخذني نفسي فأعود للذنب!

أريد الثبات على التوبة، وأريد التقرب إلى الله، وأن أتلذذ بطاعته، وأن يحبني.

أرجو أن لا تحيلوني على فتوى.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ معاذ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

نسأل الله تعالى أن يتوب عليك، ويغفر ذنبك، ويهدي قلبك، ونشكر لك تواصلك مع الموقع، كما نشكر لك حرصك على إرضاء ربك، وهذا من توفيق الله تعالى لك، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتك على التوبة حتى تلقاه.

ونبشرُك -أيها الحبيب- أولًا: أن الله سبحانه وتعالى برحمته جعل التوبة ماحية للذنب، فقد قال النبي الكريم ﷺ: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)، وأخبرنا الله تعالى بأنه يُبدّل سيئات التائب حسنات، وأنه يقبل التوبة عن عباده، وهذه كلها مبشّرات تُفرح قلب المؤمن، وتبعثه على العمل الصالح والاستزادة من الخير والإقدام على الله سبحانه وتعالى، والإقبال على طاعته.

والتوبة التي بهذه الأوصاف إنما هي التوبة الصادقة المستكملة لأركانها، وأركانها ثلاثة:
- أولها: الندم على فعل الذنب والمعصية.
- وثانيها: العزم الصادق على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل.
- والثالث: الإقلاع عن الذنب في الحال.

- وإذا كانت التوبة تتعلق بحقوق للعباد فيُضاف إليها ركن رابع، وهو: التخلص من المظالم.

فإذا تاب الإنسان هذه التوبة فإن الله تعالى يمحو بها ذنبه السابق، ولا يعني هذا أبدًا أنه سيصيرُ معصومًا بعد هذه التوبة، ولن يقع في ذنب آخر أو في الذنب ذاته، التوبة لا تعني العصمة في المستقبل فقد يعود الإنسان إلى الذنب، ولكنه إذا عاد وجبت عليه التوبة مرة أخرى، وهكذا.

وعلى المسلم أن يحذر من مغالطة الشيطان له أو مغالطة نفسه له، فإن التوبة لا تصح إلَّا إذا صاحبها عزم صحيح صادق على عدم الرجوع إلى الذنب في المستقبل، فإذا حصلت هذه التوبة الصالحة الصادقة فإن وقوع الذنب مرة أخرى لا يُؤثِّرُ فيها، بل يجب عليه أن يتوب توبة أخرى.

وقد أخبرنا الله تعالى في الحديث القدسي عن حال الإنسان المسلم، ففي حديث أبي هريرة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن النبي ﷺ، فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ -عز وجل- قَالَ: «‌أَذْنَبَ ‌عَبْدٌ ‌ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ» [رواه الإمام مسلم في صحيحه].

قال العلماء في شرح: «اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ»، معناه: أنك ما دمتَ تُذنب ثم تتوب غفرتُ لك، فالله تعالى «يَبْسُطُ ‌يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» [رواه مسلم].

فافرح بفضل الله تعالى ورحمته، وبادر إلى تحقيق التوبة بأركانها، وسيمُنُّ الله تعالى عليك بالثبات على التوبة، وبعد التوبة خذ بالأسباب التي تُعينك عليها وعلى الثبات عليها، ومن أهم ذلك الرفقة الصالحة التي تُعينك على الخير وتُذكّرُك به.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً