الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد مجاهدة نفسي وإصلاحها ولكني أتعثر، فما نصيحتكم لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عمري 17 سنة، أريد العودة إلى الله بشكل تام لا رجوع بعده، والتقرب إليه، لكني لا أستطيع!

أنوي الحفاظ على الصلاة في وقتها ولا أفعل، وكذلك الأذكار وقراءة القرآن وقيام الليل، أنوي الالتزام بها ولا أفعل! وأريد التوقف عن سماع الأغاني، فكلما توقفت عنها وتبت إلى الله، أعود لها من جديد، وأريد استغلال وقتي بما هو مفيد، فأنا أضيع الكثير من الوقت في الهاتف. كنت في غفلة وما زلت، أتمنى أن أكون فتاة صالحة تقتدي بابنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن أنجح في البكالوريا.

لا أستطيع الدراسة، فكلما أقبلت على الدراسة أضيع وقتي وأتركها، وأشعر بأني بعيدة كل البعد عن الله، متبلدة المشاعر، وأريد نصيحتكم في كيفية إحياء الإيمان وترك الكسل، والالتزام بالدراسة وترك الأغاني.

هل قراءة سورة البقرة يوميًا مفيدة؟ وكيف أتوب إلى الله توبة نصوحاً؟ وكيف أستيقظ للفجر؟

شكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.

هنيئًا لك هذه الرغبة الكبيرة في إصلاح نفسك، فأول التغيير يبدأ بالرغبة الشديدة، والشعور بالألم من الواقع، لكن إذا اكتفى الشخص بمجرد الألم، ولم يبدأ خطوات التغيير في نفسه، يصبح هذا الألم مرحلة من مراحل العجز وجلد الذات، وينتهي بعدم الثقة بالنفس لتكرار الفشل.

لتحقيق أي إصلاح للنفس لا بد أن تجتهدي في معرفة مواضع الخلل، ولماذا هذا التراجع والضعف، فالتغيير دائمًا يبدأ من النفس، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وأهم أسباب التغيير وعلو الهمة والتوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة يكمن في أمرين: تزكية النفس وصلاح القلب، فتزكية النفس تصحح لك انحرافها، وتقوم بتهذيبها من الشهوات والشبهات، وصلاح القلب يحقق لك الاندفاع والقوة والهمة في عمل الآخرة، وهذا ما أخبرنا به الله في كتابه في مواضع كثيرة، يقول تعالى: (قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها)، وجاء في الحديث: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وتزكية النفس وصلاح القلب يحرك الجوارح للطاعات، ويدفعك للصالحات، ويحقق لك كل خير في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (ولا تخزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).

وسنقدم لك بعض النصائح لتزكية النفس وصلاح القلب، ونسأل الله أن ينفعك بها:

أولًا: لابد أن تفرقي بين التمني والرغبة وبين النية والعزيمة، فالتمني إذا لم يتبعه نية وعزيمة للعمل يصبح مجرد أمانٍ وأحلام لا تزيد الإنسان إلا عجزًا وضعفًا، وعدم قدرتك على التغيير أنك لا تزالين في منطقة الأماني والرغبة في التغيير فقط، وهذه الأماني أحد أسلحة الشيطان في الغواية وإضعاف الإنسان، يقول تعالى حاكيًا عن الشيطان: (ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام)، فعليك أن تجتهدي في الانتقال من الأماني إلى النية والعزيمة، والعزيمة تقتضي الدخول في أول مراحل العمل، والسعي والبحث عن الحلول، ووضع الأهداف وتحديد العقبات، وأسباب السقوط والتراجع، ثم المبادرة العملية للاجتهاد والعمل.

ثانيًا: التدرج والاستمرار، فلا تنتظري النتائج سريعًا، فالنفس عندما تعتاد الكسل والخمول تحتاج إلى وقت لتستقيم وتتهذب، والقلب يحتاج لوقت لتمحى آثار الغفلة عنه، ويستعيد نشاطه وقوته، وهذا يكون بالمداومة والاستمرار دون انقطاع ولو بقليل العمل.

ثالثًا: الاجتهاد في تنمية أعمال القلوب، وهي الأعمال الخفية مثل الإخلاص والتوكل والمراقبة والخشية والحياء... إلخ، وتنميتها يكون بالإكثار من الأعمال التي تستهدف القلب وتؤثر فيه، ومن أبرز تلك الأعمال، الاجتهاد بالدعاء بخضوع وذل لله، والإكثار من ذكر الله على كل حال مع حضور القلب، ومداومة تلاوة القرآن مع التدبر، والخلوة بالله تعالى ومناجاته، ومن أفضل العبادات التي تجمع ذلك قيام الليل، ولو باليسير في أوله أو آخره.

رابعًا: إحاطة النفس بالبيئة الصالحة، التي تحقق حولك بيئة من الالتزام والتعاون على الخير والاستقامة، وهذا من أعظم ما يعينك على الخير، ويصرف عنك أصدقاء السوء، ممن يثبطونك عن العمل ويضعفون همتك، فاحرصي على الرفقة الصالحة والاجتهاد في بيئة الصالحين.

خامسًا: معرفة مداخل الشيطان وخطواته لتجنيب النفس خداع الشيطان وغوايته، ويكون ذلك بعلوم التزكية وتهذيب النفس، وأفضل من كتب في ذلك الإمام ابن القيم -رحمه الله- ككتاب (إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان)، وكتاب (الجواب الكافي)، وكتاب (مدارج السالكين)، والبدء بتعلم علوم الشريعة، وشغل القلب بكل نافع ومفيد.

للتخلص من سماع الأغاني املئي قلبك بالقرآن والعلم وذكر الله، حتى لا يوجد متسع للغناء، وسوف تبتعدين عن الأغاني دون أي جهد، وحتى تستيقظي لصلاة الفجر اجعلي يومك كله طاعة لله تعالى، وحافظي على كل الفرائض في وقتها، والتزمي الذكر والدعاء، فتعلق القلب بالله يعين على الطاعة، كما لا تغفلي عن الحرص على النوم على طاعة لا على معصية، واستخدام الوسائل الحديث كالمنبه، والنوم مبكرًا، كل ذلك يعينك على صلاة الفجر -بإذن الله-، وورد في السنة الصحيحة الترغيب في قراء سورة البقرة يوميًا لمن استطاع فهي بركة، وتصرف الشياطين، وتقي من السحر والعين -بإذن الله-.

تتحقق التوبة بالإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم الرجوع إليه، والله يقبل التوبة ويغفر الذنب إذا حققت شروطها، ويفرح الله سبحانه بتوبة العبد مهما كانت ذنوبه، فبادري إلى التوبة النصوح وتحقيق شروطها، وأكثري من الدعاء أن يصلح الله قلبك.

من أرجى الأعمال التي تعين على الثبات على الطاعات، الانتقال إلى الدعوة إلى الله، فكلما تعلمت خيرًا علمي غيرك، وادعي الناس للصلاح والاستقامة والأخلاق الفاضلة، اجتهدي في هذه الأمور، واستعيني بالله تعالى، وأخلصي النية لله، ولا تستعجلي النتائج، والله لن يضيع سعيك وسيذهب عنك كل ما تجدين -بإذن الله-.

أسأل الله أن يوفقك للخير، ويعينك على الطاعات، وينفع بك الإسلام والمسلمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً