الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يرغبون إكمال تعليمي وأنا أرغب العلم الشرعي والقرار في البيت!

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، أجاهد نفسي قدر المستطاع لأكون من الصالحات، أدرس في جامعة مختلطة، يحاول الكثير من الناس حولي إقناعي بإكمال الدراسة -دراسة الماستر-، وبعدها الخروج للعمل، وأن المرأة لا ينفعها إلا دراستها، ووووو.... إلخ الكثير من الكلام.

لكن أنا أؤمن يقينًا أن أفضل مكان للمرأة هو بيتها (وقرن في بيوتكن)، ولا أريد شيئًا سوى زوج صالح، وقرار في البيت، ودراسة للعلم الشرعي؛ لأنني أجد راحتي أكثر في البيت، وأكون قريبةً من ربي أكثر.

أنا فتاة منَّ الله عليَّ بلبس النقاب، وحفظ كتاب الله، وأصبحت أرى الدنيا بأنها لا تستحق أن أعصي الله من أجلها، ولا أريد شيئًا سوى مرضاة ربي.

أشعر أن أي شيء أفعله خارج مجال ديني هو مضيعة للوقت وللعلم، فأنا أدرس تخصص اللغة الإنجليزية، وقد أجبرتني عائلتي على إكمال الدراسة بحجة أنني في آخر الطريق فيجب عليَّ أن أكمل.

أحس بأنني غريبة في هذا الكون، والكل يفكر ضدي.

أفتوني في أمري -بارك الله فيكم-.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليلى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يبدو أنكِ في مرحلة من التفكير والتأمل العميق في مسار حياتك، والأهداف التي تسعين إليها، وذلك أمر جيد، ودليل على وعيك ورغبتك في اتخاذ قرارات ترضي الله عز وجل.

الأمر المهم هو: التوازن والتفكير بعمق في كيفية تحقيق أهدافك الدينية والدنيوية بطريقة متوازنة، ومرضية لله سبحانه وتعالى.

الإسلام يحث على طلب العلم، ولا يفرق بين الرجل والمرأة في هذا المجال، قال رسول الله ﷺ: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) رواه ابن ماجه والبيهقي.

وطلب العلم يشمل العلوم الشرعية والدنيوية، فالعلم الدنيوي يمكن أن يكون وسيلة لخدمة الدين والمجتمع، وتحقيق الاستخلاف في الأرض بما يرضي الله.

الزواج والرغبة في تكوين أسرة مسلمة صالحة هو أمر محمود ومشروع، وكذلك الاهتمام بالبيت والأولاد، وقد أكد الإسلام على أهمية دور المرأة في الأسرة والمجتمع، وهناك العديد من النساء في التاريخ الإسلامي اللواتي تميزن في مجالات عدة، سواءً في العلم الشرعي أو غيره.

في التاريخ الإسلامي، هناك العديد من النماذج الملهمة للنساء اللواتي تميزن في مجالات شتى، من العلم والتعليم إلى السياسة والمجتمع. وإليك بعض الأمثلة:

1. خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-: زوجة النبي محمد ﷺ، وأول من آمن به من النساء. كانت تاجرة ناجحة، ومثالاً للمرأة المستقلة والداعمة، حيث دعمت النبي ﷺ ماديًا ومعنويًا في بداية دعوته.

2. عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: زوجة النبي محمد ﷺ ومن أعظم علماء المسلمين. كانت مصدرًا لكثير من الأحاديث النبوية، ولديها إسهامات كبيرة في الفقه، والتفسير، والحديث.

3. فاطمة الفهرية -رحمها الله-: مؤسسة جامع القرويين في فاس، المغرب، في القرن التاسع الميلادي، والذي يعد من أقدم الجامعات في العالم، ومركزاً هاماً للتعليم الإسلامي والعلوم.

4. الشفاء بنت عبد الله -رضي الله عنها-: كانت من المهتمات بالطب وعلم الصيدلة، وعُرفت بخبرتها في الطب التقليدي وعلاج الأمراض. عُينت من قبل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كمسؤولة عن السوق في المدينة المنورة، مما يدل على ثقته بها وبكفاءتها.

5. نانا أسماء بنت فودي -رحمها الله-: عالمة وشاعرة، ومحاربة في القرن الثامن عشر في السودان الغربي (أو نيجيريا اليوم)، وكان لها دور بارز في تعليم النساء، ونشر الإسلام ونشرت 73 كتابًا.

هؤلاء النساء وغيرهن الكثيرات يظهرن كيف أن المرأة في الإسلام قادرة على الإسهام بشكل فعال في مجتمعها ودينها، سواء كان ذلك من خلال العلم، أو الدعوة، أو الأعمال الصالحة، مع الحفاظ على دينها وقيمها الإسلامية.

لكن يجب ألا ننسى أن الشريعة الإسلامية تحث على التوازن في كل شيء، ولا ينبغي للإنسان أن يهمل جانبًا من جوانب حياته؛ فالعلم الشرعي والدنيوي لا يتعارضان، بل يمكن أن يكمل كل منهما الآخر. وتعلم اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، يمكن أن يفتح لك أبوابًا لنشر الدين والثقافة الإسلامية بين الناس من ثقافات ولغات مختلفة، وهذا بحد ذاته عمل صالح يرضي الله.

كما يمكنك -في حال مواصلة الدراسات العليا- أن تعملي في مجالات بعيدة عن الاختلاط، أو مجالات لا تتطلب الحضور المباشر، ويمكن أن يكون العمل من البيت -حسب رغبتك-

المهم أن هناك خيارات كثيرة يمكنك التفكير فيها.

من الهام أيضًا الاستخارة، وطلب الهداية من الله في كل قرار تتخذينه، وقولك: بأنكِ تريدين كل ما يرضي الله عز وجل هو أساس متين لاتخاذ القرارات الصحيحة، فقط استشيري العلماء والمشايخ الثقات فيما يتعلق بأمور دينك ودنياك، ولا تنسي الاستماع لنصائح أهلك، مع الحفاظ على تواصل صادق ومفتوح معهم بشأن رؤيتك وأهدافك.

وفي النهاية، الأمر يعود لكِ في اتخاذ القرار الذي ترينه مناسبًا لكِ ولأهدافك الدينية والدنيوية، الأهم هو أن يكون قرارك مبنيًا على توازن وفهم عميق لدينك، ولما يرضي الله تعالى.

ونسأل الله لكِ التوفيق والسداد في كل خطواتك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً