الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي يجبرونني على التحدث مع خاطبي.. فكيف أتصرف؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا مخطوبة، كنت أتحدث مع خاطبي على الهاتف، وبمكالمات كانت تصل لنصف ساعة، وكانت أحيانًا تتعدى الساعة، المهم أنه لم يكن هناك غزل بيننا إلا بشكل بسيط، المهم أني التزمت وعلمت أن كل هذا حرام من معلمة القرآن الخاصة بي، وتوقفت فورًا حين علمت بأنه حرام، وظللت ثلاثة أشهر في شجارات مع أهلي؛ لأنهم يريدونني أن أتكلم معه، والله كانت أصعب ثلاثة أشهر مرت عليّ بحياتي.

وفي النهاية عاد الأمر كما كان، عادت المحادثات مرة أخرى بعد صراع طويل مع أهلي وأهله، لا أعلم ماذا أفعل، لا أخفي عليكم خلال الثلاثة أشهر، كبرت المشكلة جدًا، ووصلت لمكالمات مع الشيوخ، وطبعًا كنت أنا الملومة، وهددت بسحب أوراقي من الجامعة وغيره.

بالله أفيدوني ماذا أفعل؟ لا أريد أن أعصي الله. وكل يوم أبكي حسرة على هذه المعصية، لكن والله أني حاولت وحاولت فعلاً منع الموضوع، لكن الأمر شبه مستحيل خصوصًا أن موضوع الكلام شيء أساسي عندنا في المنطقة، ولا يوجد خاطب ومخطوبة لا يتحدثون عبر الهاتف.

رجاءً أفيدوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك - بنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك هذا الحرص والاهتمام، ونسأل الله أن يزيدك خيرًا، وأن يُقدّر لك الخير، وأن يجمع بينك وبين هذا الشاب على الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو وليُّ ذلك والقادرُ عليه.

لا شك أن الذي ذهبت إليه هو الصواب، ولكن هناك فرقٌ بين كلام وكلام، فإذا كان الكلام في الأمور العادية - مثل السؤال عن الحال، أو السؤال عن الدين، أو السؤال عن الدراسة - ويقف عند هذا الحد، فهذا لا إشكال فيه بإذن الله تبارك وتعالى، ولا مانع من أن تتوافقي مع الأهل، مع أهمية أن تُقلّلوا وقت الكلام.

ونحن دائمًا نتمنّى أن يفهم الناس أن الخطبة ما هي إلَّا وعدٌ بالزواج، لا تُبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، ولا التوسُّع معها في الكلام، ونؤكد أن الكلام العاطفي يُلحق الضرر بالطرفين؛ لأنه يُهيّج الغرائز، وعندها قد تأتي بعد ذلك الإشكالات.

وعلى كل حال: زادك الله حرصًا وخيرًا، وأرجو أن تتفقي مع الشاب الخاطب على تقليل الساعات التي تتكلّمون فيها، وعلى أن يكون الكلام في ما فيه مصلحة وخير، وفي ما يخدم التعارف الفعلي بينكم؛ لأن الخطبة هدفها أن يحصل التعارف، ونتمنّى دائمًا أن تُدار الأمور بينكما فقط، فليس من المصلحة أن يتدخّل الأهل هنا وهناك، ومرة أخرى نؤكد أن ما ذهبت إليه فيه المصلحة وفيه الخير، وهو الأقرب من الناحية الشرعية.

إذا كان عند الشاب حرص وخير، فعليه أن يُعجّل بتحويل هذه الخطبة إلى عقد نكاح، وإذا تحولت الخطبة إلى عقد نكاح فإنكم تجدون فرصًا أوسع في الكلام والتفاهم، وحتى بعد ذلك نحن لا ننصح بأن يكون هناك كلام عاطفي؛ لأن هذا الكلام العاطفي - كما قلنا - يُهيّج الغرائز، والإنسان قد لا يجد المنفذ الصحيح.

لذلك نتمنّى أن تُشجعي هذا الخاطب أن يحول هذه العلاقة إلى عقد نكاح، ثم بعد ذلك يُكمل مراسيم الزواج ويعجّل في البناء، لأنه (لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح).

نحن لا نريدك أن تسبحي ضد التيّار، خاصة أنه تيار جارف -أهلك وأهله وهو-، ولكن من المهم أن يكون الشاب أيضًا على قناعة، حتى تُوضع هذه العلاقة في وضعها الشرعي، وكمصلحة عُليا نحن نقول دائمًا: استنفاذ الطاقات العاطفية، واستخدام الكلام العاطفي مُضرٌّ للطرفين، وهو كذلك أيضًا يجعل الحياة الزوجية الفعلية تبدأ فاترة بعد ذلك، بل قد يُشجع الشاب - إذا كان يجد ما يريد ويتكلم كما يريد - هذا قد يُشجّعه على المماطلة، أمَّا إذا علم أنه لا سبيل للتوسّع في الكلام، ولا سبيل لنيل ما يريد إلَّا بإكمال المراسيم؛ فإن هذا يُحفزه لإكمال مراسيم الزواج ويعجّل في البناء، وهذا ما تريده الشريعة، التي تريد بعد أن يتأكد الشاب أنه اختار الفتاة الصحيحة صاحبة الدّين، وبعد أن تُدرك الفتاة وأهلها أنهم فازوا بصاحب الدّين، عندها نقول: (لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح) وعندها نقول: (خير البر عاجله).

نسأل الله أن يجمع بينكما على الخير، وزادك الله حرصًا وخيرًا، وأرجو أن تُشجّعي خاطبك ليُركّز على ما يجعل العلاقة بينكما صحيحة، وفي أسرع وقت، وأيضًا ركّزوا على ما يُعينكم على النجاح، سواء كان في الدراسة، أو في تهيئة نفسه ونفسك للزواج، باكتساب المهارات المهمة، لمن يريد أن يُؤسس حياة زوجية.

نسأل الله لكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً