الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حباني الله بطاقات لا أجد لها متنفسًا، فما توجيهكم لي؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة، عمري 25 عامًا، قارئة نهمة للعلم والمعرفة، محبة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، أحفظ القرآن، ومجتهدة، وأسعى كثيرًا لمواكبة عصري، وتنمية المهارات التي تزيد من فرصي العملية.

أعاني من حزن شديد، وتعب نفسيّ بسبب التخبط في مسارات الحياة، كنت إنسانةً شغوفةً متفائلة أصبحت إنسانة بلا روح، حاولت إكمال دراستي في الماجستير، فلم يستقم الأمر لي، وحاولت إيجاد وظيفة أفرغ طاقتي فيها فلم أجد، وإن وجدت فإنها تكون بعيدةً عن منطقتي، أو غير مناسبة، لدي حس مسؤولية عال، وأحمل هم الجميع، بما فيهم المحزونين، والمتألمين، أتمنى أن يعيش الناس كلهم بسلام وأمان، وهذا أحد الأسباب التي تقض مضجعي.


منذ الطفولة وأنا أعاني من المدرسة، والتي كانت معلماتها يرهبن الطالبات بالصياح أو الضرب، ومن الأهل وخاصةً أمي؛ فقد سببوا لي رهابًا اجتماعيًا، وفقدانًا للثقة؛ لدرجة أني لا أستطيع اتخاذ قرار جديّ، كما أشعر بالتيه كثيرًا، وعلاقتي بوالديّ مُزعزعة، وبمن حولي من الأقارب؛ لأنهم يتدخلون في الخصوصيات.

لا أحاول هنا أن أجعل نفسي ضحيةً، لكني أؤمن بأني أتيت إلى هذه الدنيا دون تخطيط مسبق، خاصةً وأنني أعيش في بلد عربي يعاني من الفقر، والبطالة، والتخلف، والجهل، والفساد، وإن كان أهله ملتزمون بالصلاة!

أحيانًا أظن أن المعرفة زادت من حزني، رغم أنها منحتني القوة والشفاء لعلل نفسية وفكرية، لكن زادت من حسي بالمسؤولية؛ لدرجة أني لا أريد أن أرحل من هذه الدنيا دون أن أترك أثرًا بسيطًا ورائي.

أقرأ قصص الأنبياء، والمناضلين، والمفكرين، والمخترعين " نساءً ورجالًا "، فأزداد ولعًا وتمسكًا بالهدف الذي لا أعرف من أين سيبدأ! أشعر بأن الله إذا أحب عبدًا سخره ومرر على يديه شيئًا، أو رسالةً، أو عملًا يبقى من بعده، كهؤلاء الذين ذكرتهم. دائمًا أدعو الله أن يحبني ويذكرني كما أحبه وأذكره، أن يستخدمني، ويصطفيني كما اصطفى من عباده جزءًا. أقوم الليل منذ وقت طويل، ليس لاستجابة الدعاء فقط، بل لأني أحبه.

قمت بعمل مدونة قبل فترة؛ لأني أحب الكتابة الأدبية والشعرية، فأراني أكتب عن الحزن والكبد، وأحب المهتمين بالأدب، والفكر، والدين، والفلسفة، لكن لا أجد من أشاركه ذلك حولي، سوى أختي، لا يوجد لدينا مؤتمرات، ولا أنشطة حوارية للشباب، ولا حتى مكتبات عامة في بلدي نفرغ طاقاتنا بها.

كما أنني أبحث عن منح دراسية في بلدان أخرى؛ لعل الله أن يشق ليَ الطريق كما شق البحر لموسى.

أريد منكم كلامًا لطيفًا يخفف عليّ آلامي، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مجهولة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نحن نتفهم تمامًا ما تعانينه من آلام نفسية، وضغوطات حياتية شديدة.

أنت إنسانة مثقفة، ومتدينة، تسعين لتحقيق أهداف نبيلة في حياتك، لكن الظروف المحيطة بك، والضغوطات النفسية التي تعانين منها -منذ الصغر-، جعلتك تشعرين بالإحباط والتيه.

نود أن نقول لك:

أولاً: إنك لستِ وحدك في هذه المعاناة، فالكثير من الشباب يعانون من نفس الشعور بعدم الاستقرار، والتردد في اتخاذ القرارات، وضياع الطريق أمامهم، هذا جزء من رحلة النضج، والبحث عن الذات، وهذا هو التحدي الذي يجعل الإنسان يصل إلى أهدافه ومبتغاه:
لأستسهلنّ الصعب أو أدرك المنى … فما انقادت الآمال إلا لصابر

ثانيًا، أنت فتاة قوية، ومثابرة، تحملين همومًا كثيرة،ً وتسعين لترك بصمة إيجابية في هذا العالم، وهذه الصفات النبيلة ستساعدك حتمًا على تخطي هذه المرحلة العصيبة، وهذا جزء من حمل هم الأمة (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).

ولكن دعينا نوضح هذا المفهوم أكثر:
الهم همان: هم يبث على الفعل، وهم يبعث على الحزن، المطلوب هو الأول، لا الثاني؛ لأن الله لم يكلفنا بأن نحزن، وإنما كلفنا بأن نعمل لصالح أنفسنا، ولصالح غيرنا، فلا تحملي نفسك فوق طاقتها. لا يمكن لإنسان واحد أن يحمل هموم العالم كله على كاهله، فركزي على نفسك، وتطورك الشخصي أولًا، ومن ثم ستكونين قادرة على مساعدة الآخرين بشكل أفضل.

ثالثًا: حاولي أن تركزي على إيجابياتك وإنجازاتك، بدلاً من التركيز على السلبيات؛ فأنت تحفظين القرآن، وهذه نعمة كبيرة، كما أنك متعلمة، وقارئة نهمة للعلم، وملتزمة بدينك، وتؤدين العبادات، كل هذه أمور إيجابية تستحق الفخر، قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

رابعًا: لا تستسلمي للإحباط أبدًا، وابحثي عن فرص لتطوير مهاراتك، وخبراتك، حتى لو بدت صغيرةً في البداية، ثم تابعي دراستك إن أمكن، أو ابحثي عن دورات تدريبية، مجانية عبر الإنترنت، وحاولي إيجاد وظيفة، ولو بعيدةً مؤقتًا؛ حتى تكتسبي خبرةً عمليةً.

خامسًا: مشاعر الحزن التي تعتريك يمكن أن تتحول إلى طاقة تدفعك نحو التغيير، والبحث عن معنى أعمق لحياتك، فقد تكون الكتابة في مدونتك وسيلةً لتحويل هذه المشاعر إلى إبداع يلهم الآخرين، استمري في البحث عن المنح الدراسية، ولا تفقدي الأمل؛ فقد تكون بداية مسار جديد لك.

سادسًا: استمري في مطالعتك، ونهمك المعرفي؛ فالمعرفة ستقودك إلى مزيد من الإيجابية والاستقرار.

أخيرًا: لا تيأسي من رحمة الله، ادعيه بإخلاص، واطلبي منه أن يفرج كربك، ويهديك لما فيه الخير، والله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

كوني واثقةً بأن الله سيجازيك على صبرك، وتضحياتك بالخير الكثير.

لقد مررت بمرحلة صعبة، لكن بإيمانك، وعزيمتك، وتوكلك على الله ستخرجين منها أقوى؛ فأنت شابة، واعدة، وعندك الكثير لتقدميه للعالم، ثقي بنفسك، وبقدراتك، ولا تستسلمي لليأس، وضعي ثقتك في الله، وسيرى لك الخير حتمًا.

أدعو الله لك بالتوفيق والسعادة، والاستقرار النفسي.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً