الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تبت عن معصية ثم عدت إليها دون أن أحس بالندم!

السؤال

منذ سنة حصل تجاوزات كبيرة بيني وبين بنت، ولكنها لم تصل إلى حد العلاقة الكاملة والحمد لله، وبعدها ندمت جداً، وقلت لن أفعل ذلك مرة أخرى.

منذ وقت قريب تكرر نفس الخطأ، والغريب أني ما أحسست بنفس الندم والخوف مثل أول مرة! وهذا أقلقني جداً، هل يدل هذا على أني لو تبت عن هذا الفعل فربنا سيتقبل توبتي؟ وهل أنا بهذا قد وقعت في الزنا؟ وهل كوني ما أحسست بنفس الندم والخوف يدل على غفلة؟ وهل يدل ذلك على أن ربنا غضبان علي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Un know حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يتوب عليك، وأن يسامحك وأن يعفو عنك، وأن يسترك بستره إنه غفور رحيم.

أخي: احمد الله على أن ستر عليك، واشكره أن عاملك باللطف رغم تكرر الذنب منك، واعلم أن لله غضبة متى ما وقعت لا يقوم لها شيء، وقد أمهلك لتتوب، ولكنك تماديت، فاحذر وعد إلى الله، واعتبر بمن كشف الله ستره عنهم كيف حالهم وحال أهليهم، وكيف مستقبلهم، وكيف نظرة الناس لهم؟ فاتق الله واحذر غضبه، واعلم أنك بفعلك هذا وإقامتك على الذنب؛ تستجلب عقوبة الله تعالى، فانتبه!

ثانياً: من الطبيعي أن يقل الندم مع تكرار المعصية، ذلك أن للمعصية آثاراً سلبية كثيرة، عددها ابن القيم رحمها الله ونحن نختصرها لك:

1- حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور، ولما جلس الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقُّد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً، فلا تُطفئه بظلمة المعصية.

2- حرمان الرزق، ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه).

3- وحشة تحصل للعاصي بينه وبين ربه، وبينه وبين الناس، قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.

4- تعسير أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً.

5- العاصي يجد ظلمةً في قلبه، يُحس بها كما يحس بظلمة الليل، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة، وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده، وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعلو الوجه، وتصير سواداً يراه كل أحد!
قال عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق.

6- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بديلة، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة، وهلم جراً، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها؛ لكفى بها عقوبة! وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلاً منعه من عدة أكلات أطيب منها، والله المستعان.

7- المعاصي تزرع أمثالها، ويُولِّد بعضها بعضاً، حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.

8- المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير، وقلبه معقودٌ بالمعصية، مُصرٌ عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.

9- ينسلخ من القلب استقباح المعصية فتصير له عادة، لا يستقبح من نفسه رؤية الناس له في ذنب، ولا كلامهم فيه.

ثالثاً: الفرصة أمامك لا زالت قائمة، وعليك المسارعة بالتوبة الصادقة، فباب التوبة لا زال مفتوحاً لك، والله الكريم الغفور الرحيم يقول: (‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ).

انظر -بارك الله فيك- كيف هي رحمة الله، حتى مع من أسرف في الذنوب لكنه عاد إلى الله تائباً نادماً، بشره الله بالمغفرة متى ما كان صادقاً في توبته، فبادر بالتوبة إلى الله، وأقبل على ربك، حتى تخرج إلى الطمأنينة والسكينة.

رابعاً: اعلم -وفقك الله- أن التغيير للأفضل ليس مستحيلاً، وأنك قادر بعد توفيق الله أن تكون صالحاً بعيداً عن هذا الإثم، فإياك أن يزرع الشيطان فيك اليأس، واعلم أن أخطر ما يريده الشيطان منك: إيهامك بالعجز من أن تتوب أو تقضي على شهوتك، وأنك مهما حاولت المقاومة ستفشل، هذا وهو لا حقيقة فيه، فأنت بالله ثم الإرادة أقوى من كل ذلك.

خامساً: اعلم -أخي- أن الشهوة لا تموت بالعادة السرية، بل تزيدها اشتعالاً، وإننا ندعوك أن تدخل على موقعنا لتقرأ عن أضرارها وإدمانها.

سابعاً: إننا ندعوك حتي تتغلب على هذه الشهوة أن تقوم بعدة أمور:

1- زيادة التدين عن طريق الصلاة، الفرائض والنوافل، والأذكار، وصلاة الليل، وكثرة التذلل لله عز وجل، واعلم أن الشهوة لا تقوى إلا في غياب المحافظة على الصلاة، قال الله: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات)، فكل من اتبع الشهوة يعلم قطعاً انه ابتعد عن الصلاة، وما أداها كما ينبغي، وبالعكس كل من اتبع الصلاة وحافظ عليها وأدّاها كما أمره الله؛ أعانه الله على شهوته، المهم هو الصبر وعدم تعجل النتائج.

2- اجتهد في الإكثار من الصيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء).

3- ابتعد عن الفراغ عن طريق شغل كل أوقاتك بالعلم أو المذاكرة، أو ممارسة نوع من أنواع الرياضة، المهم أن لا تسلم نفسك للفراغ مطلقاً، وأن تتجنب البقاء وحدك فترات طويلة.

4- ابتعد عن المكان الذي تقابل فيه تلك الفتاة، وامسح رقمها من عندك، وغير أرقام تواصلك، وابتعد عن كل المثيرات التي تثيرك، واعلم أن المثيرات سواء البصرية عن طريق الأفلام، أو الكلامية أو أياً من تلك لا تطفئ الشهوة؛ بل تزيدها سعاراً.

5- ننصحك كذلك باختيار أصحاب صادقين، فإنهم حصن لك بعد الله.

نسأل الله أن يوفقك لكل خير، والله ولي التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً