الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رهاب السفر ينغص عليّ حياتي ويمنعني الالتحاق بزوجي، فما العلاج؟

السؤال

السلام عليكم

أولًا: أحب أن أشكر كل من يعمل على هذا الموقع الجليل، للإجابة عن الاستشارات الطبية.

أنا أعاني منذ أن كنت في الثانوية العامة من الوسواس القهري، حيث بدأ بخوف من الدراسة والامتحانات، ومع ذلك نجحت في الثانوية وحصلت على مجموع عالٍ، والتحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لكن بسبب الخوف حولت من الكلية، ودخلت كلية التربية قسم اللغة العربية، وأتممت الدراسة، وتزوجت.

كنت أيضًا أعاني من القلق والخوف من الزواج، لكن هذا الخوف زال بعد الزواج، ومع سفر زوجي انتقلت إلى مرحلة جديدة من الوسواس، وهي وسواس الموت، ووسواس المرض؛ فبمجرد أن أشعر بأي ألم أظن أن لدي مرضًا خطيرًا، فأذهب للكشف عند الطبيب، وفي النهاية يكون الأمر وهمًا، لكنني لا أستطيع التحكم فيه، إذ يسيطر عليّ بشدة، أشعر حينها بضربات قلب سريعة، واختناق، ورعشة، وخوف، وكأن نفسي ينقطع، إضافة إلى قشعريرة وغثيان، وعرفت أن هذه الأعراض هي أعراض نوبات هلع.

تعالجت كثيرًا، لكنني كنت أتناول الدواء فترة، ثم أتركه عندما أتحسن، وتتكرر القصة في كل مرة، إلى أن جاء الوقت كنت الذي سافرت فيه إلى زوجي، وبعد أن جهزت الأوراق، وأنهيت كل شيء، ظهرت عندي أعراض الخوف ونوبة الهلع، وزاد عليها فقدان الشهية، وخوف شديد، وكان كل خوفي من الطائرة، إذ شعرت أنني سأموت، فقلت لزوجي أن يأتي ليأخذني حتى أكون مطمئنة، وأسافر معه، وفعلاً جاء، وسافرت معه.

قبل السفر ذهبت إلى الطبيب، وكتب لي دواء تناولته قبل الرحلة، وسافرت، وكنت في الطائرة عادية جدًا، أصور وأشعر بالراحة، لكن قبل العودة شاهدت على "فيسبوك" فيديو عن حادثة طائرة، وعندها ظهرت الأعراض من جديد: تقيؤ، ورعشة، وخوف شديد، ودوخة، فقلت لزوجي إنه يجب أن ينزل معي، ولن أستطيع السفر وحدي، وفعلاً نزل معي.

قبل السفر بأيام لم يكن هناك نوم ولا أكل، والخوف كان شديدًا جدًا، حتى جاء يوم السفر ونزلنا والحمد لله، وبالرغم من ذلك عندما ركبت الطائرة كنت عادية تمامًا، وعندما عدت إلى بلدي كنت أرغب في العودة إلى بلد الغربة مرة أخرى، فقال لي زوجي: "إذا أردتِ المجيء، تعالي وحدك"، فوافقت وحجز لي بالفعل، لكن بمجرد أن علمت أنه حجز، ظهرت الأعراض من جديد، وخفت وألغيت السفر ولم أسافر، وفي تلك الفترة كنت حاملاً، وخفت أن أتناول أي دواء.

أنا حزينة جدًا، وأتمنى أن أسافر مثل الناس بشكل طبيعي، وأكون سعيدة بالسفر، لكن الخوف ونوبات الهلع تسيطر عليّ، ولا أعرف ماذا أفعل، فبمجرد أن أسمع أنني سأسافر تحدث لي هذه الأعراض.

أتمنى أن أكون طبيعية مثل الآخرين وأسافر، ومع أنني أشاهد حوادث كثيرة للسيارات إلا أن الأمر لا يؤثر عليّ، وأركب السيارة بشكل طبيعي جدًا.

وشكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سماح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب، ونشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع، ونسأل الله تعالى أن يعافيك ويشفيك ويشفينا جميعًا، وأن ينفع بنا جميعًا.

أيتها الفاضلة الكريمة: وصفك لحالتك ممتاز جدًّا ودقيق، وأنا -وبدون أي تردد- أقول لك: إنك تعانين من حالة تُعرف بقلق المخاوف الوسواسي، وهي من الدرجة البسيطة والحمد لله تعالى، لا أنكر أبدًا أنها مزعجة بالنسبة لك، لكن بالمعايير الطبية النفسية تُعتبر من الحالات البسيطة جدًّا، وعلاجها يتمثل في: تحقير الخوف والوسوسة، وأن تلجئي إلى ما يُعرف بالتعريض، بمعنى أن تعرضي نفسك دائمًا لمصادر مخاوفك، والتعريض يكون في الخيال، ويكون في الواقع.

فمثلًا التعريض في الخيال: أن تتصوري أنك سافرتِ لوحدك وتعيشين هذه الرحلة بكل تفاصيلها، أو أن تتخيلي أنك انضممتِ إلى حلقة قرآن، وطُلب منك أن تكوني معلمة للقرآن، وهكذا، تعيشين هذه الرحلات الإيجابية بكل تفاصيلها، وهذا نسميه (التعرض في الخيال).

أمَّا التعرض أو التعريض في الواقع، فالحمد لله نحن مجتمع متكافل، فعليك حضور المناسبات، ومشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، والانضمام إلى حلقات القرآن -كما ذكرت لك- هذا في الواقع نوع من العلاج الممتاز جدًّا. ودائمًا حقّري فكرة الخوف هذه، ولا تعيشي مع القلق التوقعي، ولا تجعلي القلق الافتراضي غير الموجود يكون عائقًا لك، عيشي لحظتك بقوة وبأمان، هذا مهم جدًا.

زوجك الكريم أفلح حين ذكر لك أنه إذا أردتِ أن تسافري يجب أن تحضري بمفردك، هذا قرار علاجي ممتاز منه، وهو ما أنصحك به أيضًا، وإضافة إلى ذلك: حاولي أن تتدربي على تمارين الاسترخاء، هنالك تمارين للتنفس المتدرج: الشهيق، الزفير، وحصر الهواء في الصدر، هذه تمارين ممتازة جدًّا، فأرجو أن تطلعي على أحد هذه التمارين على اليوتيوب، وتطبقيها بدقة.

يبقى الأهم، وهو العلاج الدوائي، والعلاج الدوائي مهم جدًّا، والحمد لله الآن توجد أدوية فاعلة وممتازة وسليمة، حتى في أثناء الحمل ومع الرضاعة. هنالك دواء يُسمى (Sertraline - سيرترالين)، هو دواء أساسي لعلاج مثل حالتك، وله عدة مسميات تجارية منها: (Lustral - لوسترال)، و(Zoloft - زولوفت)، ويوجد أيضًا مستحضر مصري جيد جدًّا يُسمى (Moodapex - مودابكس).

الجرعة تكون كالآتي:
• تبدئين بنصف حبة (من الحبة التي تحتوي على 50 ملغ)، أي تتناولين (25 ملغ) يوميًا، لمدة عشرة أيام.
• ثم تجعلينها حبة واحدة يوميًا، لمدة شهر (50 ملغ).
• ثم حبتين يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية (100 ملغ يوميًا)، علمًا بأن الجرعة القصوى هي (200 ملغ) يوميًا، لكنك لستِ في حاجة إليها.
• استمري على جرعة الـ (100 ملغ) يوميًا، لمدة ثلاثة أشهر.
• ثم انتقلي إلى الجرعة الوقائية، وهي (50 ملغ) يوميًا، لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا.
• بعد ذلك اجعلي الجرعة (25 ملغ) يوميًا لمدة شهر.
• ثم (25 ملغ) -أي نصف حبة- يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر.
• ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا التدرج في الجرعة والالتزام بمواعيدها ومدة العلاج، أمر مهم جدًّا، وكما ذكرت لك: السيرترالين دواء سليم، وليس إدمانيًا، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، ولا على الصحة الإنجابية عند المرأة، فقط له أثر جانبي بسيط، وهو أنه ربما يفتح الشهية نحو الطعام، وقد يُؤدّي إلى شيء من الشراهة البسيطة نحو الحلويات، فإن حدث لك شيء من هذا؛ فأرجو أن تتخذي التحوطات اللازمة، حتى لا يزيد وزنك بصورة غير صحيّة.

أكرر: إن الحالة بسيطة، ونشكرك على ثقتك في إسلام ويب، وأرجو أن تتبعي الإرشادات التي ذكرتها لك، وأسأل الله لك الشفاء والعافية، وبارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً