الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكر في إكمال دراستي وأشعر بالحيرة والإحباط وفقدان الشغف!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرجاء الرد سريعاً، وعدم تجاهل استشارتي.

لدي رغبة في إكمال تعليمي الجامعي بعد أن بلغت الخامسة والثلاثين من عمري، لكني أشعر بالإحباط، واليأس، والعجز، وفقدان الشغف.

منذ الصغر وأنا أحب الحاسوب، ورغبت في دراسته، لكن شاء الله ألا أُوفق، فتوقفت سنوات طويلة منذ عام 2010، وكرهت التعليم حينها وتركت الدراسة، ولم تكن لي رغبة في المتابعة، وبعد أربع سنوات، رغبت في العودة للدراسة ولكن لم أُوفق في ذلك؛ لأني فُصلت من الجامعة.

بعد فوات الأوان، عرفت جامعة متخصصة في "التعليم عن بعد"، توفر مراجع وكتباً قيمة، فقدمت للالتحاق بتخصص تقنية المعلومات، وهو التخصص الذي كنت أرغبه، ولكن بعد قبولي تنبّهت إلى أن شغفي وطموحي وقدرتي لم تعد كالسابق، وأن فرصي قليلة؛ لأن هذا المجال يحتاج إلى شاب صغير السن، لا إلى رجل سيبلغ الأربعين عند تخرجه، كما يتطلب شهادات ودورات تدريبية لا تتوفر في بلدي، ويحتاج لمواكبة مستمرة لا أقدر عليها.

فكرت في تخصص إدارة الأعمال، فسنوات دراسته أقل وهو أسهل نسبياً، فترددت كثيراً، وصليت صلاة الاستخارة مراراً، ثم حولت مساري للإدارة، وبعد التحويل شعرت بعدم رغبة وضيق شديد وثقل في القراءة، فطلبت من المسجل إعادتي لتقنية المعلومات.

الآن أشعر أيضاً بعدم الرغبة في التقنية، وأريد العودة لإدارة الأعمال؛ فما التخصص الذي ترونه مناسباً لي؟ لا أعرف حقيقة هذا الشعور، فهل هو وسوسة لأترك الدراسة، أم هو يأس وعجز وكسل وإحباط؟ لأني محبط ويائس وعاجز عن الدراسة، وأشعر كأني داخل حلبة مصارعة أصارع فيها خصماً قوياً.

توقعاتي هي ألا أستفيد من شهادتي أبداً، أو ألا أعمل بها فأخسر أموالاً وجهداً ووقتاً في الدراسة، فقط لأرضي نفسي وأتخلص من عقدة الفشل الجامعي، ومن أجل حلم الحصول على شهادة قد أحتاج إليها مستقبلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سائل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكركم على تواصلكم معنا، وثقتكم بموقعنا.

لقد قرأت رسالتك بعناية، ولمست فيها صدقاً كبيراً في التعبير عما يعتمل في صدرك من صراعات، وأحييك أولاً على هذه الروح الوثابة التي جعلتك تفكر في العودة لمقاعد الدراسة وأنت في الخامسة والثلاثين؛ فهذا بحد ذاته دليل على وجود بذرة طموح حية لم تمت، رغم كل خيبات الماضي.

فهمنا من رسالتك -أخي الكريم- أنك تمر بحالة من التردد الشديد والارتباك بين شغفك القديم (تقنية المعلومات) وبين رغبتك في اختصار الطريق وتجنب الفشل (إدارة الأعمال)، وهذا التردد، وما يصاحبه من شعور بالضيق والثقل، يمكن أن ننظر إليه من زاويتين:

• الزاوية الأولى: هي عقدة الفشل القديم، حيث يبدو أن التجربة السابقة التي توقفت في 2010 لا تزال تلقي بظلالها على ثقتك بنفسك، الشعور بأنك في حلبة مصارعة هو تعبير دقيق عن صراعك مع الناقد الداخلي، الذي يحاول حمايتك من ألم الفشل مرة أخرى عن طريق تثبيط عزيمتك.

• الزاوية الثانية: هي قلق المستقبل والمقارنة مع الآخرين، فكرة أنك ستبلغ الأربعين عند التخرج تجعلك تشعر بضيق الوقت، بينما الحقيقة أن الأربعين هي سن النضج والكمال، وكثير من العظماء بدأت نجاحاتهم الكبرى بعد الأربعين.

أود أن أذكرك بأن المسلم مأمور بالعمل وبذل السبب، والنتائج بيد الله وحده، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ»، إن شعورك بالعجز والكسل قد يكون من مداخل الشيطان ليصرفك عن أمر فيه خير لك، فاستعذ بالله من العجز والكسل، كما كان يفعل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.

تذكر أن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وطلب العلم عبادة تؤجر عليها، بغض النظر عن العمل بالشهادة من عدمه، يقول الله -عز وجل-: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ﴾، فالسعي نفسه هو الهدف والمطلب الشرعي.

بناءً على ما ذكرت، إليك هذه النصيحة المتوازنة:

إن شغفك الأصلي هو تقنية المعلومات، والضيق الذي شعرت به عند التحويل لإدارة الأعمال هو إشارة بأن قلبك ليس هناك، أما خوفك من صعوبة التقنية أو كبر السن، فهي مخاوف ذهنية وليست حقائق واقعية، إدارة الأعمال ليست بالضرورة أسهل لمن لا يحبها، بل قد تكون أثقل على النفس.

إن كنت تحب الحاسوب منذ صغرك، فاستمر فيه؛ لأن الإبداع مرتبط بالشغف، والعمل في هذا المجال اليوم لم يعد مرتبطاً بالعمر أو التوظيف التقليدي، بل بالمهارة التي يمكنك تقديمها كعمل حر (Freelance) من منزلك وفي أي مكان في العالم.

وإليك خطوات عملية للتنفيذ:

• لا تتردد؛ فالتردد يستهلك طاقة نفسية أكبر من الدراسة نفسها، اتخذ قراراً نهائياً بالبقاء في التخصص الذي تحبه (التقنية) وأغلق باب التفكير في التغيير تماماً، واعتبر هذا التعب هو ثمن النجاح.

• لا تفكر في الأربع سنوات أو سوق العمل بعد التخرج، بل فكر في المادة الدراسية الحالية فقط، أنجز مهام اليوم بيومها.

• الشهادة ليست مجرد ورقة للتوظيف، بل هي ترميم للذات وانتصار على إحباطات الماضي، فليكن هدفك الأول هو إثبات قدرتك لنفسك.

• قد يفيدك التواصل مع أشخاص يعملون في مجال التقنية في بلدك، أو عبر الإنترنت لتعرف أن السوق يحتاج للمهارة أكثر من الشهادة العمرية.

وهنا تنبيه نفسي هام: إذا وجدت أن هذا الشعور بالعجز واليأس والضيق الشديد يمنعك تماماً من ممارسة حياتك الطبيعية أو النوم أو الأكل، فقد يكون هذا مؤشراً على حالة من الاكتئاب البسيط أو قلق الأداء الشديد، في هذه الحالة، ننصحك بمراجعة أخصائي نفسي؛ ليساعدك في جلسات سلوكية معرفية لترتيب أفكارك وتقوية عزيمتك، فطلب المساعدة المهنية هو أول خطوات القوة.

أخيرًا: إن بلوغ الأربعين آتٍ لا محالة، سواء درست أم لم تدرس؛ فأن تبلغه وأنت تحمل شهادة في تخصص تحبه، خيرٌ من أن تبلغه وأنت لا تزال تصارع حسرة الماضي، استعن بالله، وجدد نيتك بأن يكون هذا العلم لخدمة نفسك وأمتك، وأبشر بخير من الله.

نسأل الله أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يهديك سواء السبيل.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً