الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تمتع الإنسان في هذا الزمان بالصحة النفسية

السؤال

السلام عليم.

كيف يتمتع الإنسان في هذا الزمان بالصحة النفسية؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عماد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يمتعك بالصحة والعافية، وأن يلبسك ثوب الإيمان، وأن يجعلك من عباده الصالحين وأوليائه المقربين، وأن يربط على قلبك، وأن يجعلك آمناً مطمئناً في الدنيا والآخرة.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الفاضل عماد – كيف يتمتع الإنسان في هذا الزمان بالصحة النفسية؟ فإنك تعلم - أخي الكريم – أن الأزمان كلها أمام الله تعالى سواء، وأن السعيد من شاء الله تبارك وتعالى له أن يكون سعيداً، وأن الشقي من شاء الله تبارك وتعالى أن يكون شقياً، وتعلم - بارك الله فيك أخِي عماد – بأن الله قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، وأن الأمر كله لله؛ ولذلك أنت تقرأ معي قول الله تعالى: (( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))[آل عمران:26]^، وقول الله تعالى: (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ))[الملك:1-2]^، فكل شيء بيد الله تبارك وتعالى وحده، فإذا ما استقام العبد على منهج الله، ونفذ أوامر الله، وأدى شرع الله على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه حري بأن يكون أسعد الناس، والتاريخ يشهد على ذلك.
فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أكرمهم الله بفهم هذا الدين وتطبيقه، وتحويله إلى واقع عملي في حياتهم حيث إنهم كانوا قرآناً يمشي على الأرض، آيات تتحرك بدم ولحم وعظم، لو تحول القرآن إلى بشر ما زاد على أن يكون رجلاً كأبي بكر وعمر وبلال وعمار وصهيب وخباب وهكذا، فكانوا حقيقة أتقى الناس، وأعلم الناس، وأورع الناس، وفي نفس الوقت كانوا أعظم الناس صحة وقوة، ولك أن تعلم أن عبادة بن الصامت - رضي الله تعالى عنه - من أصحاب النبي الكبار – صلوات ربي وسلامه عليه – تذكر بعض الروايات أنه شارك في فتح مصر وعمره ثلاثة وثمانون عاماً، ولم يكن في رأسه أو لحيته شعرة سوداء واحدة، وتصور أنت هذه اللياقة العالية، يخرج من مدينة النبي عليه الصلاة والسلام على ظهر جواد أو بعير ويقطع هذه المسافة ثم يكون هو رئيس الوفد المفاوض نيابة عن المسلمين أمام المصريين، ويتكلم كلاماً يخلع القلوب من صدور الناس، حتى إن الذي كان يفاوض زعيم القساوسة أو غيره الذي فاوضه عبادة قال لمن معه: إن هؤلاء يحرصون على الموت أعظم من حرصكم على الحياة؛ لأن الرجل كان يتكلم بكل ثقة، وبكل اعتزاز، وبكل قوة، وبكل عظمة، لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى رفع معنوياتهم إلى السحاب.
فبارك الله فيك الصحة النفسية لها علاقة قوية جدّاً بالناحية الإيمانية، فكلما كان العبد أكثر طاعة وإيماناً واستقامة على منهج الله كلما كان أسعد الناس، وهذا كلام الله تبارك وتعالى - بارك الله فيك – حيث قال: (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ))[طه:123-124]^، والضنك هذا كلام عام يشمل كل شيء.
ويقول أيضاً جل جلاله: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[النحل:97]^ وكلمة: (حَياة طيبةً) تشمل الصحة النفسية والبدنية، وتشمل الأحوال المالية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكل شيء.
ولذلك قضيتنا أساساً مع منهج الله تبارك وتعالى، إن استقمنا على منهج الله تبارك وتعالى فصدقني سوف تكون الأمور من أروع ما يمكن، وسنكون في جنة قبل الجنة، حتى إن بعض الصالحين قال: (والله إن أهل الجنة لو كانوا فيما نحن فيه الآن إنهم لفي نعيم دائم).
فتصور ذاقوا طعم السعادة والأمن والأمان والاستقرار في الحياة حتى إنهم يقولون: (لو كان أهل الجنة فيما نحن فيه فهم في نعيم دائم).
إذن - بارك الله فيك – بركة الطاعة عظيمة، والصحة النفسية والصحة البدنية والأحوال الاقتصادية والاجتماعية كلها لها علاقة بالإيمان؛ لأن الله تبارك وتعالى هو خالق هذا الكون، وهو منظم هذا الكون؛ ولذلك يقول: (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ))[يونس:62-64]^ هذا وعد الله تبارك وتعالى الذي لا يتخلف، ومهما حاولنا أن نبحث عن الصحة النفسية بعيداً عن الإسلام فنحن واهمون، كم من إنسان يملك المليارات وهو من أتعس الناس، وكم من إنسان امرأته ملكة جمال وهو من أسوأ الناس نفسياً، وكم من إنسان عنده أولاد من أنجح الناس في الدنيا ولكنه لا يشعر بسعادة وجودهم في حياته، وكم من إنسان لا يملك قوت يومه ولكنه من أسعد الناس.
فالسعادة - بارك الله فيك – منحة ربَّانية وعطية إلهية يمنحها الله تبارك وتعالى للصالحين من عباده، فإذا أراد الإنسان أن يتمتع بالصحة النفسية نقول: إن صحتك على مستوى علاقتك مع الله تعالى، لو أن علاقتك مع الله مستقرة، وعلاقتك مع الله علاقة طيبة، وأحوالك مع الله على الوجه الذي يرضي الله فأنت من أسعد الناس؛ ولذلك يقول النبي - عليه الصلاة والسلام -: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، ويقول أيضاً: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس).
فأخي الكريم عماد! إن صحتنا النفسية مرهونة برضا مولانا تبارك وتعالى عنا، وهو الذي قال: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))[الرعد:28]^.
فأوصي نفسي وإياك بالمحافظة على شرع الله، والالتزام بالفروض، والمحافظة على النوافل، واجتناب المحرمات، وترك المكروهات، وأبشر - بإذن الله تعالى – بأنك سترى نفسك من أسعد أهل الأرض جميعاً، (( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ ))[الروم:6]^، (( وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ))[الزمر:20]^.
هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً