الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح في التعامل مع الأم المسنة المصابة بكثرة النسيان

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فوالدتي تبلغ من العمر (78) عاماً، وأصبحت منذ نحو أربع سنوات تعاني من النسيان النسبي لبعض الأحداث القريبة، وأصبحت تعيش حالة من القلق والتوتر، نتيجة نسيان أماكن أشيائها، وتتهم زوجتي بأنها سرقتها عند فقدان أي شيء، وأصبحت تسبها وتدعو عليها ليل نهار، ويصاحب ذلك توتر وقلق، واكتئاب تشعر به، وإحساس بالاضطهاد من الغير، وخاصة الزوجة وأبنائي.

المشكلة أنها أصبحت عصبية المزاج، ولا تنام بالنهار إطلاقاً، ونومها بالليل من بعد العشاء حتى الساعة الثالثة صباحاً، كما أنها دائماً تفكر بالمادة.

أحياناً تتخيل حدوث أشياء لم تحدث، وتقول: أنتم لا تعطونني مالاً، وأنا والله أعطيها، ولكنها تنسى.

ما هو العلاج المناسب لها الذي يجعلها تكون هادئة؟ لأنها دائمة التفكير، ولا تشعر بالسعادة، تفكر دائماً في الدنيا، وفي الماضي.

زوجتي تعبت، وأنا أيضاً أبحث عن رضاها دون جدوى، وزوجتي والله ما عمرها استثارتها أو أغضبتها.

أرجو الإجابة، ولكم تحياتي.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه الأعراض التي تعاني منها والدتك، من الواضح أنها تمثل الجوهر الأساسي لمرض الخرف، أو ما يسمى بالعته، أو كما يسميه البعض بعلة (الزهايمر)، ويا أخي الكريم! هذه الحالات تبدأ باضطرابات سلوكية وقلق وتوتر، ويكون هنالك ضعف في الذاكرة، خاصة للأشياء الحديثة، والمريض الذكي حين تفشل ذاكرته يبدأ في البحث عن المعلومات وعن الكلمات، وحين يفشل في تذكرها يولد لديه الكثير من القلق والتوتر والعصبية واضطرابات النوم.

أما بالنسبة للإحساس بالاضطهاد واتهام الآخرين، وما نسميه بالأفكار الظنانية البارونية؛ فهذا أيضاً يحدث لحوالي خمسين إلى ستين بالمائة من مرضى العته.

أخي الكريم: اتهام والدتك لزوجتك يأتي في نطاق المرض، وليس أكثر من ذلك، ويعرف أن ضحايا هذه الأفكار الاضطهادية دائماً يكونون هم الأقرب (الزوجة، الزوج، الأبناء، الجيران)، فهم دائماً يكونون محط انتباه الإنسان، وتوجه الاتهامات لهم.

بالنسبة لاضطراب النوم فهذا معروف جدّاً لدى مرضى الخرف، والساعة البيولوجية لديهم تتغير تغيراً كبيراً.

الوضع الأمثل أخي الكريم هو أن تذهب بوالدتك إلى الطبيب النفسي أو إلى طبيب الأعصاب، ليقوم بإجراء بعض الفحوصات الأساسية، والتي تشمل وظائف الغدة الدرقية، فيتامين (B12)، وإجراء صورة مقطعية للدماغ.

هذه الفحوصات فحوصات بسيطة وأساسية؛ لأنه في بعض الأحيان قد لا يكون السبب في الخرف مرض الزهايمر، فقد يكون نوعاً من الجلطات البسيطة أو نقصاً في هذه الفيتامينات أو اضطراباً في الغدد، فيا أخي الكريم! هذا من قبيل التأكد.

الأمر الآخر: توجد أدوية ممتازة وتساعد كثيراً، والوالدة محتاجة لنوعين من الدواء، محتاجة للدواء الذي يقلل من قلقها وفي نفس الوقت يتحكم في أفكارها الاضطهادية والظنانية.

هذا الدواء نفسه سوف يحسن أيضاً من نومها، وهنالك أدوية كثيرة جدّاً منها عقار يعرف باسم (رزبريادون Risperidone)، وآخر يعرف باسم (سوركويل Seroquel)، وثالث يعرف باسم (إبيلفاي Abilifu)، ورابع يعرف باسم (زبركسا Zyprexa).

إذن أخي الكريم: توجد أدوية فعالة جدّاً، ولكن الإشكالية مع هذه الأدوية هو أن الجرعة لا يمكن تحديدها من الوهلة الأولى، ولذا نحاول دائماً أن نبدأ بجرعات صغيرة جدّاً، وبعد ذلك نزيد أو ننقص الجرعة حسب متطلبات الحالة؛ لأن الأدوية النفسية يتفاعل الناس حيالها بصورة مختلفة جدّاً، فنادراً ما تجد مريضين متطابقين.

هذه الفنيات البسيطة معلومة لدى الأطباء المختصين.

المجموعة الثانية من الأدوية: هي الأدوية التي تنشط الذاكرة أو على الأقل تمنع التدهور، وبفضل الله تعالى توجد ثلاثة أدوية أو أربعة أدوية الآن جيدة، وتساعد لدرجة كبيرة، منها دواء يعرف باسم (آرسبت Aricept)، ودواء ثان يعرف باسم (ريمانين)، ودواء ثالث يعرف باسم (إبكسيا Ebixa)، وهي أيضاً معروفة لدى الأطباء المختصين.

هذا من ناحية العلاج الدوائي، والذي أفضله أن يكون تحت إشراف المختص، وقد حاولتُ أن أُطلعك على الأدوية المتاحة.

بقي بعد ذلك أن أقول: أنت إن شاء الله من البارين بوالدتك، وأنت تعرف -وكذا زوجتك- أنها تحتاج للرعاية، ويجب ألا يحدث أي نوع من مناقشتها حول أفكارها الظنانية؛ لأن إكثار النقاش ومحاولة إقناعها سوف يزيد حقيقة من الأفكار الاضطهادية، وتبدأ في المزيد من الاتهامات.

أخي الكريم! التجاهل المعقول هو الأفضل، ويساعد في علاج هذه الحالة.

الخطوة الثانية من العلاج: أن تعطوها المعلومات، هذا وجد أنه جيد جدّاً ويقلل القلق، قل لها مثلاً: (والدتي! أنا ابنك فلان الفلاني، الآن الساعة كذا وكذا، هذا إفطارك، أذان الظهر قد أذن الآن)، وهكذا، إعطاء هذه المعلومات البسيطة يساعد.

أيضاً حاول أن تطرق معها المواضيع التي تحبها في السابق، واذكر لها الأشخاص الذين تعرفهم بأنك تعرف أنها كانت تحبهم وتحب ذكراهم، والكلام في الماضي ربما يكون أفضل؛ لأن ذاكرتها فيما مضى قد تكون أفضل كثيراً من ذاكرتها لما هو حديث.

هؤلاء المرضى لديهم قابلية خاصة للسقوط خاصة في الحمام، وكثيراً ما يحدث لهم كسر في عظمة الحوض، نسأل الله تعالى أن يحفظها وأن يحميها، لكني وددت أن أنبهك لهذا الأمر، فكن حريصاً في مراعاتها في هذا الجانب.

أرجو أن تعرض هذه الإجابة أيضاً على الفاضلة زوجتك، وتؤكد لها أن اتهامات والدتك لها هي اتهامات مرضية، وليس أكثر من ذلك، وعليها بالصبر، وأنا متأكد حينما تعطى هذه الوالدة العلاجات سوف تساعدها كثيراً.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وأقول لك: احرص فقد فتح الله لك باباً من أبواب الجنة، بأن تنال رضا أمك، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً