الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان؟

السؤال

السلام عليكم.

لدي بعض من الأسئلة وسأكتبها في استشارة واحدة كي تأتيني الإجابة في وقت واحد، وجزاكم الله خير الجزاء.

هل يحاسب الموسوس على أفكاره وأفعاله وأقواله؟ ومتى يحاسب الإنسان على حديث النفس؟

سبق وعلمت أنه يحاسب ويؤاخذ أذا اطمأن لها وركن إلى هذه الأفكار، فكيف أعلم هل أنا ركنت إلى هذه الأفكار أم لا؟ وكيف أعلم هل أنا مطمئنة لها أم لا؟ وماذا يعني إذا ركن إلى هذه الأفكار؟
هل الاطمئنان والركون إلى هذه الأفكار يكون في نفس اللحظة التي أفكر فيها وأحادث نفسي بها أم بعد ما أحادث نفسي؟

ما الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان؟

جزيتم خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Lulu حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

استشارتك احتوت عدة استفسارات، ولكنها في موضوع واحد مرتبط بعضها ببعض، وسوف أفصل لك الأمر حتى تحصل على إجابة كاملة من خلاله لكل استفساراتك.

فنقول:
1. اعلم أن الله لا يؤاخذ العبد على ما يدور في قلبه ونفسه من خواطر ووساوس، ما لم يعزم ويعقد قلبه على فعله، وهذا من رحمة الله به، بمعنى أن من عزم على المعصية، ولم يفعلها أو لم يتلفظ بها لا يأثم، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به". متفق عليه.

2. وهذا يعني أن من تلفظ بالمعصية أو عمل بها، فانه يؤاخذ على ذلك؛ لأنه تجاوز حديث النفس إلى تلبس الجوارح بالفعل.

وكذلك إذا تحول الخاطر والوسواس في النفس إلى هم وإرادة وعزم وتصميم على الفعل فإنه يؤاخذ بذلك، وهذا معنى الركون الذي سالت عنه، بمعنى أن الهاجس في النفس قوي إلى إرادة للفعل، وأن النفس بدأت تبحث عن وسائل لتحقيقه في الجوارح كما حصل من امرأت العزيز مع يوسف تحول الهاجس لديها إلى هم وإصرار.

وكذلك إذا عزم على معصية، وكان قد فعلها ولم يتب منها فهو مؤاخذ بهذا العزم؛ لأنه إصرار، على المعاصي بقلبه.

3. ويمكن للإنسان معرفة هل هذا حديث نفس أو إصرار وإرادة من خلال حال النفس معه، فمن جال في خاطره فعل المعصية، ثم تذكر خوف الله وابتعد عن الاستمرار في تفكيره بها فهذا خاطر للنفس، وهو غير مؤاخذ في ذلك، ومن استمرأ ذلك الخاطر، وبدأ يفكر في وسائل تنفيذه في الواقع، فهذه إرادة وتصميم وهو مؤاخذ على ذلك إن لم يتب من تصميمه وإرادته له.

4. فإذا ركن إلى هذه الخواطر واستسلم لها وبحث عن وسائل لتنفيذه من خلال جوارحه، فقد خرج عن مرتبة حديث النفس إلى العزم على المعصية، وهنا تكتب عليه السيئة بمجرد نيته ولو لم يفعلها كما قال صلى الله عليه وسلم:
( إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ: عبدٍ رَزَقَهُ الله مالاً وعلماً، فهو يتَّقي فيه ربَّه، ويَصِلُ به رَحِمَه، ويعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادِقُ النِّيَّة، يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعمِلْتُ بعملِ فلانٍ، فهو بنيتِه، فأجرُهُما سواءٌ، وعبدٍ رزقه الله مالاً، ولم يرزُقه علماً يَخبِطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتَّقي فيه ربّه، ولا يَصِلُ فيه رحِمهُ، ولا يعلمُ لله فيه حقاً، فهذا بأخبثِ المنازل، وعبدٍ لم يرزقه الله مالاً ولا علماً، فهو يقول: لو أنَّ لي مالاً، لعَمِلتُ فيه بعمل فلانٍ فهو بنيته فوِزْرُهما سواءٌ ) أخرَّجه أحمد والترمذي وابن ماجه.

ومعنى الحديث:
أن من هم بالحسنة والخير، وعقد قلبه وعزمه على ذلك، كتب له ما نواه، ولو لم يعمله، وإن كان أجر العامل أفضل منه وأعلى.

ومن هم بسيئة، ثم تركها لله، كتبت له حسنة كاملة، ومن هم بسيئة، وتركها لأجل الناس، أو سعى إليها، لكن حال القدر بينه وبينها، كتبت عليه سيئة، ومن هم بها، ثم انفسخ عزمه، بعد ما نواها، فإن كانت مجرد خاطر بقلبه، لم يؤاخذ به، وإن كانت عملا من أعمال القلوب التي لا مدخل للجوارح بها، فإنه يؤاخذ بها، وإن كانت من أعمال الجوارح، فأصر عليها، وصمم نيته على مواقعتها، فأكثر أهل العلم على أنه مؤاخذ بها.

5. والركون إلى الوساوس والخواطر معناه السعي في تنفيذها وقبولها، وعدم صرف النفس عنها، بل تصبح محلا لخضوعه، ورمزا لعبوديتها لها قال تعالى: ( أفرأيت من أتخذ إله هواه ).

6. الركون إليها يكون بعد تواردها على النفس؛ لأن مجرد وورد الخواطر على النفس وصرف النفس عنها لا يضر، فإذا حدث الإنسان نفسه بشيء ثم انصرف عنه، فهو حديث النفس، وإذا استمر على التفكير في وسائل تنفيذه فهو الهم والإرادة وهي غالبا تأتي بعد حديث النفس.

7.أما ما هو الفرق بين حديث النفس ووساوس الشيطان ؟
فظاهر النصوص أن النفس توسوس، كما أن الشيطان يوسوس.
وقذ ذكر بعضهم فرقا بينهما فقال: (ما كَرِهَتْه نفسُك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه).

وعلى كل حال يظهر من أسئلتك أنك تعاني من كثرة الخواطر والوساوس، فننصحك بقطع الاستمرار فيها، فإن أعظم علاج الخواطر هو قطعها والانشغال بغيرها من الذكر والتسبيح والاستغفار والعمل الصالح.

وتكثر الخواطر السيئة في النفس التي يعشش فيها الشيطان بسبب المعصية وقلة الذكر.

وفقك الله لما يحب ويرضى.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً