الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تغيرت شخصيتي وأصبحت انطوائيا وأخشى الناس

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 20 سنة، كنت منذ الصغر أتحلى بشخصية قيادية، وأقراني دائما يتبعونني، والناس تحبني بشهادتهم.

لا أعلم ماذا حصل لي في فترة من فترات حياتي، (لا أعلم هل هي فترة الإعدادي أو الثانوي؟)، بحيث بدأت أنتهج السلوك الانطوائي، وقل عدد أصدقائي، ولم أعد أنا من أبادر ببدء العلاقات، وكثر عندي التفكير بالتفاصيل، ففي أصغر محادثة أجريها مع الناس أهتم بأدق التفاصيل فيها، أهتم بالإشارات ولغة الجسد، وأسعى لتفسير الكلمات ربما بغير معناها الأصلي، وزاد مستوى الخجل لدي، حتى من المقربين مني، وعند الكلام مع الناس أحاول قدر الإمكان عدم النظر بأعينهم، ومع محاولاتي لإظهار نفسي بأنني شخصية جريئة، ولكنني بالواقع خجول جدا.

كثيرا ما تسبب لي ذلك بالمواقف المضطربة، فأظهر كشخص غريب الأطوار، جلست مع نفسي لأعرف ما سبب كل ذلك، فوجدت عدة أسباب محتملة، منها أنني أعاني من لثغة في نطقي لحرف السين، فكان بعض الأشخاص يسخرون مني ويؤذونني نفسيا، مع محاولتي الإظهار بأن ذلك لم يؤثر علي، وربما بسبب جسمي السمين نسبياً، الذي يدفع بعض الناس للسخرية من طريقة سيري، فأصبحت أركز كثيرا على كل خطوة أخطوها، كل هذه الأشياء حاولت تغييرها لكنني لم أستطع، لأنها ببساطة خارجة عن يدي.

أحاول التصالح مع نفسي، لكن شعوري بأن الناس لديها مشاعر سلبية نحوي يتملكني، لدرجة عند مروري أمام مجموعة من الناس أشعر وكأنهم يتغامزون علي.

حاليا أدرس في السنة الثانية في الجامعة، وعدد الأصدقاء الذين أتحدث معهم باستمرار قليل جدا بالنسبة لبقية الأقران.

أحاول بناء العلاقات، وأسعى إلى تعزيز ثقتي بنفسي من جديد، لكن لحظات الضعف هي الغالبة، أنا معترف بالمشكلة وهي أولى خطوات الحل، حاولت إيجاد أسباب المشكلة، ولكنني لم أعثر على خطواتي الأولى في الحل النهائي للمشكلة.

أتمنى أن تساعدوني، فأنا سئمت من صراعاتي الداخلية، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أعجبني في رسالتك أنك قلت: أنا معترف بالمشكلة، وهي أولى خطوات الحل، وهذا دليل على أنك تملك من الوعي ما يمكنك من أن تتخلص من كل السلبيات.

لا شك أن حياة الإنسان تمر بأطوار عديدة ومتنوعة، وكل طور يشهد تقلبات وتحولات على مستوى الشخصية، ولا سيما الفترة ما بين 15 و 20 بما يطلق عليه علماء التربية عمر المراهقة، حيث تبدأ مدارك الطفل تنمو في هذا المرحلة، ويهتم بمظهره اهتماماً مبالغاً فيه، ويهتم برأي الآخرين به.

وتشير الدكتورة هبة عيسوي، أستاذ الطب النفسي بجامعة عين شمس: "أن سيادة المظهر في المراهقين يعتبر طبيعياً، ويزداد عن الحد عند بعض الشباب حتى يتحول إلى مرض نفسى تجاه مظهره الشخصي، بحيث يركز الشاب انتباهه واهتمامه بأنفه الكبير، أو على عينيه الضيقتين أو على أذنيه الكبيرتين، لدرجة أنه يصبح مقتنعاً بأن الآخرين لا ينظرون إلا إلى ما يعتبره عيباً في شكله، والمراهق الذى يبالغ في الشعور بالنقص، لمجرد عيب صغير في شكله، هو شخص يحمل في ذهنه صورة مثالية عما ينبغي أن يكون عليه شكله، ويمضى وقته كله في المقارنة بين ما هو عليه في الواقع والصورة المثالية التي ينبغي أن يكونها".

وهذا ما يفسر التحول السلبي في شخصيتك، فأنت كنت منذ الصغر تتحلى بشخصية قيادية وأقرانك دائما يتبعونك والناس تحبك بشهادتهم، حسب تعبيرك.

فأنت كنت ترى نفسك هكذا، فالناس كانوا يرونك بذات الصورة التي كنت ترى نفسك بها، شخصية مميزة قيادية محبوبة، فأنت في مرحلة الطفولة لم تكن لتعير اهتماماً للثغة في نطقك لحرف السين، ولم تكن تهتم بأن جسمك سمين بعض الشيء الأمر الذي يدفع بعض الناس للسخرية من طريقة مشيك، ولم تكن تلحظ سخريتهم أصلاً.

- هل اللثغة في حرف السين ظهرت فجأة في المرحلة الإعدادية أو الثانوية؟
- هل وزنك زاد في المرحلة الثانوية؟
- هل الناس لاحظت شكلك فجأة ؟

- أم أن كل هذه الأشياء كانت موجودة، ووحدك الذي لم تكن لتلحظها، لأنك كنت طفلاً لا يشغلك سوى اللعب واللهو وتحدي الأقران؟!

اعلم ـ أيها الشاب الفاضل ـ أن تصورك الذاتي عن نفسك إنما هو مرآة للآخرين، فكما ترى نفسك يراك الآخرون، فأنت تركت كل الإيجابيات في شخصيتك وسلطتَّ المجهر على نقاط سلبية بسيطة بدأت تركز عليها حتى نسيت طبيعة الشخصية التي تمتلكها، وهي الشخصية القيادية المتميزة المرحة المحبوبة، وحبست نفسك في دائرة مغلقة، وبدأت تقنع نفسك أن الناس تراقبك، لذلك أصبحت تراقب أحاديثهم، وحركات أجسادهم، وتذهب بعيداً مع التفاصيل، وأتعبت نفسك بأشياء لا طائل منها، ولن تجد منها نفعاً.

لنفرض جدلاً أن الناس فعلاً تتابعك وتركز على ما لديك من لثغة لسان، أو وزن زائد، فهل الحل برأيك الخجل والانطواء، والانزواء عن الناس؟

التفت حولك لترى الكثير من النماذج التي تملك إعاقات وعيوباً أكثر بكثير مما وصفت به نفسك، ومع ذلك تعيش حياة آمنة مستقرة، ناجحة في علاقاتها الاجتماعية، تدخل الفرح والسرور على كل من تقابله، متميزة في دراستها.

وأنت كذلك تستطيع أن تلفتَ الآخرين إلى جوانب مشرقة في شخصيتك، بحيث ترى نظرات الإعجاب والاحترام والتقدير، ولا تدع خيالك يذهب بك بعيداً في تفاصيل الحوارات وحركة الجسد وما إلى ذلك، بل أشغل وقت فراغك بما ينفعك وينمي مهاراتك، ويعينك على تطوير ذاتك، وشحن طاقاتك وقدراتك.

وبالنسبة إلى زيادة الوزن بإمكانك أن تمارس الرياضة، ولو مرتين في الأسبوع، وأن تزور طبيب أخصائي تغذية؛ ليضع لك برنامجاً غذائياً يعينك في خسارة وزنك بما يتناسب مع عمرك وطولك، ليس فقط من أجل نظرة الناس إليك، بل من أجل المحافظة على صحتك أيضاً.

أنصحك أن تركز على دراستك الجامعية، فأنت الآن في السنة الثانية، والمستقبل بانتظارك، ومراقبة الناس وردود أفعالهم لا تسمن ولا تغني من جوع، وإنما الدراسة والتميز والتفوق هو ما سينفعك، وأنت حين تشغل نفسك بالأهم، ستتجاوز عن الكثير من سفاسف الأمور.

أسأل الله أن يجعلك من أهل الفلاح في الدنيا والآخرة اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً